عن الصبر فى الحياة نستكمل المسير..
الصبر له أهمية خاصة، إذ كل أمور الحياة تحتاج إلى ملازمة صفة الصبر لها، فالعمل يحتاج إلى الصبر حتى يمكن أداؤه بإتقان، ومعاملات البشر تحتاج إلى الصبر، حتى نتمكن من التواصل والعمل معـًا بأسلوب صحيح فعال وبنّاء.. ومن تراوده الأمنيات والأحلام والأهداف فى حياته يحتاج إلى الصبر لتحقيقها.. ولكى يثمر الإنسان فى حياته أعمالاً صالحة، ينبغى له أن يزرع الخير بالصبر إلى أن يؤتى ثماره. وعندما ننظر إلى الحياة، نجدها تمتلئ منذ القدم وتقدم نماذج لأشخاص يسعَون بالعمل والجَهد فى طريق الصبر.
وقد كانت أحد أهم سمات أنبياء الله أنهم صابرون على أداء رسالتهم وثقتهم بالله مهما اعترضت طرقهم الضيقات والمشقات.. ولعل “يوسُف الصدِّيق” هو أحد نماذج رجال الله فى الصبر، فقد صبَر على الظلم الذى تعرض له حتى أتاه الله كل خير، وأصبح الرجل الثانى بعد فرعَون ملك مِصر، وبات البطل الذى أنقذ مِصر والعالم من الهلاك جوعـًا.
ومن هٰذه النماذج المضيئة، نجد أن الحياة امتلأت بكثير من الأشخاص الذين استطاعوا بصبرهم أن يجتازوا المِحَن والصعاب، بل صاروا عظماء. وإحدى هٰذه الشخصيات هو إنسان بدأ العمل بالتجارة حين كان فى الثالثة والعشرين من عمره، بعد أن قام هو وشريكه بشراء متجر صغير فى مدينة “نيو سالم” فى ولاية “إلينوى”.. إلا أنه تعرض للفشل؛ فأعاد المحاولات مرة تَلو الأخرى ليتكرر الفشل!! فاتجه إلى العمل بالمجال السياسى، ثم حاول الحصول على مِقعد فى مجلس النواب الأمريكى ولٰكنّ الفشل أيضـًا لازمه!! وأخيرًا نجح فى أن يصبح عضوًا فى مجلس النواب الأمريكى عن المقاطعة السابعة لولاية “إلينوى” مدة عامين 1847-1849م.. ولم يدخل اليأس قلبه، بل استمر فى محاولاته وسعيه حتى نجح، بمواصلته العمل والصبر، فى أن يكون رئيسـًا للوِلايات المتحدة الأمريكية فى عام 1861م، وهو لم يكُن قد تعدَّى الحادية والخمسين بعد!! إنه أحد أعظم الرؤساء للولايات المتحدة الأمريكية، محرِّر العبيد “أبراهام لينكولن”، وإن كان “لينكولن” استطاع بصبره وعدم يأسه وعمله الجاد أن يصبح رئيسـًا على بلاده، فإنه نموذج لكثير من العظماء فى مناحى الحياة كافة، ساروا على الخطى عينها.
يقول الكاتب الصحفى “أنيس منصور” عن العظماء:“ولٰكن من المؤكد أن العظماء جميعـًا يشتركون فى صفة واحدة وهى القدرة على العمل والصبر؛ فلا يوجد عظيم واحد ليس من صفاته العمل الشاق والاحتمال، احتمال الحياة واحتمال العذاب، من أجل مبادئه السياسية أو الفلسفية أو العقلية”.
وأختِم حديثى عن الصبر، بأن دَورنا فى الحياة أن نُدرِك أسرارها كى نعبرها فى هدوء، وأن نواصل لنصل إلى تحقيق النجاح، ونتمم رسالتنا التى خُلقنا من أجلها. إن لكل إنسان دَور وعمل ورسالة مؤتَمن عليها، وسيحاسَب عليها أمام الله. فلا تدَع، يا عزيزى، اليأس أو الفشل يهزمك فى الطريق، بل استعد دائمـًا متسلحـًا بالعمل والصبر، تاركـًا مصباحك فى الطريق يضىء لكل سائر على خُطى الدرب.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى.