تحدثنا عن أسرار “السعادة” فى الحياة: فى القلب الذى لا يكره، والعقل البعيد عن دائرة القلق. ونتحدث اليوم عن فقدان السعادة داخل النفس التى لا تعرِف معنى العطاء.
نحن حين نتوقف عن العطاء والاهتمام بالآخرين، نمنع السعادة من سكناها قلوبنا؛ فالسعادة إحساس يسرى من شخص إلى آخر. وفى المقابل، حين تساعد على تحقيق السعادة للآخرين فى حياتهم، تنتابك أحاسيس الراحة والرضا التى بدَورها تفجر فى أعماقك ينابيع السعادة التى لا تنتهى.
يقول الحكيم: “ارمِ خبزك على وجه المياه فإنك تجده بعد أيام كثيرة “. ويقولون إن الخير والعطاء لا يموتان حتى بعد غياب الإنسان، وهٰذا حقيقى، فكل خير يُصنع لا يختفى بموت صاحبه بل يستمر. إلا أن الخير والعطاء أيضـًا تظهر ثمارهما فى حياة الإنسان؛ إنهما ليسا ذكرى له، بل بهما يرسُم لَوحات من السعادة فى حياته تمُده بالقوة والسعادة لشخصه هو أولـًا. والعطاء يقدم السعادة للإنسان فى الحياة وفى السماء؛ فالله ـ جل جلالهـ يجازى كل إنسان بحسب عمله ؛ فمن يرحم الآخرين يُرحم، ومن يُفرِّح القلوب هو أيضـًا يغمر الفرح قلبه. وقد تحدثنا سابقـًا عن أنواع كثيرة من الخير الذى يُمْكن كلَّ إنسان تقديمُه؛ فهناك: من يقدم المال، ومن يبذُل الجُهد، ومن يعطى النصيحة، ومن يدافع عن مظلوم، ومن يحامى عن ضعيف، ومن يهِب الأمل للنفوس البائسة ؛ أنواع كثيرة من العطاء لا تنتهى.
ومن أجمل ما قرأتُ عن هٰذا المجال، قصة حقيقية عن أستاذ لمادة “علم الاجتماع” فى جامعة “ماليزيا”، طلب من طلابه إسعاد إنسان واحد مدة الفصل الدراسى، ليتمكن من الحصول على الدرجة الكاملة فى مادته. وكان شرطـًا أن يكون هٰذا الشخص خارج أسرة الطالب، وأن يقدم الطالب عرضـًا لما عمِله أمام الجميع.
واتفق الأستاذ مع شركة ماليزية خاصة لتكريم أفضل عشَرة طلاب أسعدوا آخرين. ونجح جميع الطلاب فى نهاية الفصل الدراسى فى الحصول على الدرجة كاملة فى هٰذه المادة. وكان أحد هٰذه الأعمال يختص بشخص هندى، طالب يدرُس الطب، يفتقد الأصدقاء، والزملاء، وحتى الابتسامة ! فقرر أحد الطلاب أن يحاول إسعاد هٰذا الهندى؛ فكان يكتب إليه الرسائل المُشجعة، ويضع الهدايا البسيطة أمام باب مسكنه، حتى تغيرت حياة ذلك الإنسان وأصبح أكثر تفوقـًا وتميزًا وسعادة. لنكتشف أنه قُبيل الرسالة الأولى إليه كان قد بدأ يفكر جديـًّا فى ترك دراسته، أمّا بعد ما ناله من اهتمام ومساندة وتشجيع آلت جمعيها إلى سعادة، فقرر الاستمرار والتغلب على الصعاب ! إن أفضل ما فى هٰذه التجربة هو نشر ما قام به الطلاب من أعمال السعادة على ألسنة الناس الذين سعدوا بها وأحدثت صدًى واسعـًا، وهٰكذا سَرَت شرارة إسعاد الآخرين وانتشرت فى المجتمع كله لرسم الابتسامة على أوجه الجميع.
ما أرق النفس وأنبلها تلك التى تقدم الخير إلى الجميع بلا تمييز أو شروط أو مقابل! فكل ما تهتم به هو رسم السعادة فى حياة الآخرين؛ فإذا هذه النفس ترسُِمها داخل مجتمعها، وربما العالم أجمع!!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسيّ