أهنئكم جميعًا بالعام الجديد 2023م، و”عيد الميلاد المجيد” الذي يحتفل به مسيحيو الشرق، مصلين إلى الله ان يمنح الكل بركة وسلامًا وخيرًا، ونتضرع إلى الله أن يبارك بلادنا “مِصر” بالسلام والخيرات، وأن يحفظ العالم من الحروب والأوبئة والأمراض.
ونحن نحتفل بـ”عيد الميلاد المجيد”، نتذكر عبارة السيد المسيح: “… وأمّا أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل.” (يو ١٠: ١٠)؛ وهٰكذا تجسَّد الابن الكلمة متحدًا بطبيعتنا البشرية اتحادًا كاملاً، بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير ولا انفصال، ووُلد من عذراء دون زرع بشري، من أجل أن يهب للإنسان الحياة التي افتقدها بخطيئته: “فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضًا كذلك فيهما، لكي يُبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت، أي ابليس …”. (عب٢: ١٤)؛ ويقول “القديس البابا أثناسيوس الرسوليّ”: “لأن المخلِّص بتأنُّسه تمم عمليتَي المحبة برفع الموت عنا وتجديدنا ثانيًا، بإعلان نفسه وتعريف ذاته بأعماله بأنه «كلمة الآب»، مدبر الكون وملكه، إذ كان غير ظاهر ولا منظورًا.”. ومِن دون التجسد والميلاد لم يكُن طريق للبشرية إلا الهلاك، فيقول: “لو لم يكُن الرب، مخلِّصُ الجميع، ابنُ الله، قد جاء إلينا وحل بيننا ليوفي غاية الموت، لكان الجنس البشريّ قد هلك.”.
لقد دخل الموت إلى العالم بالخطيئة وسرى في الكل: “من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت، وهٰكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس، إذ أخطأ الجميع.”. (رو ٥:١٢). وانفصل الإنسان عن الله في عداوة إذ يقول: “آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلٰهكم، وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع.” (إش ٥٩: ٢). فلم يكُن سبيل سوى أن يأتي وسيط بين الله والناس ليقوم بالمصالحة؛ فكان الميلاد العجيب لذلك المولود العجيب الذي تنازل ووُلد في مذود للحيوانات: “إذ لم يكُن لهما موضع في منزل” (لو ٢: ٧).
وهٰكذا أخلى الابن الكلمة نفسه، آخذًا صورة عبد، واتخذ جسدًا وعاش به على أرضنا، وبذل نفسه فديةً لأجلنا: “أخلى نفسَه، أخذًا صورة عبد، صائرًا في شِبه الناس” (في ٢: ٧)، من أجل أن يصنع سلامًا بين السماء والأرض: “لأنه هو سلامنا، الذي جعل الاثنين واحدًا، ونقض حائط السياج المتوسط أي العداوة … صانعًا سلامًا …” (أف ٢: ١٤-١٥). وقد أكد “السيد المسيح” هدف مجيئه إلى العالم بقوله: “لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يخلِّص ما قد هلك.”(مت ١٨: ١١). ويعلق “القديس مقاريوس الكبير” على ميلاد السيد المسيح: “سلب (الربُّ) الرؤساء والسلاطين وظفر بهم بصليبه؛ وهٰذا كان سبب مجيء ربنا، لكي يطرحهم خارجًا، ويسترد الإنسان الذي هو بيته وهيكله.”. لقد جاء الابن الكلمة من أجل شفقته على جنس البشر “لتكون لهم حياة”، كما قال القديس البابا أثناسيوس الرسوليّ: “لأجل ذلك جاء إلى عالمنا كلمة الله، الخالي من الجسد، والعديم الفساد، وغير المادي، مع أنه لم يكُن عنا ببعيد. لأنه لم يترك شيئًا من البرايا خلوًّا منه، إذ هو يملأ كل شيء في كل مكان، وفي الوقت نفسه هو كائن مع أبيه، لٰكنه تنازل وأتى إلينا لكي يُعلن شفقته علينا ويفتقدنا.”. وهكذا، صار الميلاد هو ميلاد للسلام على الأرض، إذ وهبه الله مرة ثانية للبشرية بميلاد الكلمة الأزليّ. وبالسلام استعاد الإنسان مسرته التي فُقدت منه؛ فجاءت أنشودة الملائكة: “«المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة».” (لو ٢: ١٤).
كل عام وجميعكم بخير.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأرثوذكسيّ