أهنئكم جميعًا في “عيد القيامة المجيد”، حيث يحتفل اليوم مَسيحيُّو الشرق به، ضارعًا إلى الله أن يرفع كل شدة وضيق ووباء عن العالم ـ مثلما نصلي في طلبة أسبوع الآلام قائلين: “أنصت يا إلٰه «يعقوب»، وانظر يا إلٰه عوننا، وارفع عن العالم: الموت، والغلاء، والوباء، والجلاء، وسيف الأعداء، والزَّلزال، والأهوال، وكل أمر مخيف. نسألك: يا رب، اسمعنا وارحمنا!”، راجيًا الإلٰه القدير أن يحمي بلادنا الحبيبة “مِصر”.
وحين نتحدث عن قيامة الأبرار، فإننا نتطلع إلى تلك الحياة الأبدية التي تعقب مرور البشر بجسر الموت: إذ ينتقلون من حياة خاضعة لقوانين الزمن ووهن الجسد والآلام، إلى حياة سامية فوق دائرة الزمن والألم، بجسد ممجَّد خالد. وقيامة الأموات هي في اليوم الأخير حيث مجازاة كل إنسان: “وحينئذ تظهر علامة ابن الانسان في السماء. وحينئذ تنوح جميع قبائل الأرض، ويبصرون ابن الإنسان آتيًا على سحاب السماء بقوة ومجد كثير. فيرسِل ملائكته ببوق عظيم الصوت، فيجمعون مختاريه من الأربع الرياح، من أقصاء السمٰوات إلى أقصائها.”. (متى 24: 31) وحين يجتمع أمامه جميع البشر: “يجازي كل واحد حسب عمله.” (متى 16: 27)؛ فيجعل الأبرار عن يمينه والأشرار عن يساره: “«ومتى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه، فحينئذ يجلس على كرسيّ مجده. ويجتمع أمامه جميع الشعوب، فيميز بعضهم من بعض كما يميز الراعي الخراف من الجداء، فيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن اليسار. ثم يقول الملك للذين عن يمينه: تعالَوا يا مبارَكي أبي، رثوا الملكوت المعَد لكم منذ تأسيس العالم … «ثم يقول أيضا للذين عن اليسار: اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المعَدة لإبليس وملائكته …”. (متى 25: 31-34 و41).
أما عن قيامة السيد المسيح، فهي قيامة فريدة متفردة؛ إذ قام بذاته بقوة لاهوته؛ وقد أشارت بعض نبوات “العهد القديم” إلى قيامته فيذكر “داود النبيّ”: “أنا اضطجعت ونمت. استيقظتُ لأن الرب يَعضُدني.” (مز 3: 5).وفي (مز16: 10): “لأنك لن تترك نفسي في الهاوية. لن تَدَع تقيك يرى فسادًا.”، وأيضًا: “لا يغمرَنِّي سيـل المياه، ولا يبتلعَنِّي العمق، ولا تُطْبقِ الهاوية عليَّ فاها.” (مز 69: 15). وفي “سفر هوشع” نجد: “في اليوم الثالث يقِيمنا فنحيا أمامه.” (هو 6: 2)، “من يد الهاوية أفديهم. من الموت أخلِّصهم. أين آوباؤك يا موت؟ أين شوكتُكِ يا هاوية؟” (هو 13: 14).
ورموز واضحة في “العهد القديم” لقيامة السيد المسيح، منها: عودة “إسحاق” حيًّا بعد أن أخذه “إبراهيم” أبوه ليقدمه مُحرَقة للرب، وعبور الشعب “البحر الأحمر” هو رمز للموت والقيامة، وخروج “يونان” حيًّا من جوف الحوت بعد ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ؛ وقد أشار السيد المسيح إلى ذٰلك: “لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ، هٰكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ.” (متى 12: 40)، وفي شريعة التطهير من البَرَص كان العصفور الذي يُطلَق حيًّا رمزًا للمسيح القائم من الأموات؛ وهٰذا ما أكده السيد المسيح لتلاميذه بعد القيامة حين “قال لهم: «هٰذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم: أنه لا بد أن يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والأنبياء والمزامير». حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب. وقال لهم: «هٰكذا هو مكتوب، وهٰكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث …” (لو 24: 44-46).
وقد تحدث السيد المسيح عن موته وقيامته في عدة مناسبات، منها: عندما قال لليهود الطالبين منه آية: “«انقضوا هٰذا الهيكل، وفي ثلاثة أيام أقيمه».” (يو 2: 19)؛ وقد وضح لنا “القديس يوحنا الحبيب” أن السيد المسيح كان يتحدث عن موته وقيامته: “وأمّا هو فَكان يقول عن هيكل جسده.” (يو 2: 21)؛ ومن أحاديثه مع تلاميذه: “من ذٰلك الوقت ابتَدأ يسوع يُظهِر لتلاميذه أنه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم ويتألم كثيرًا من الشُّيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة، ويُقتل، وفي اليوم الثالث يقوم.” (مت 16: 21)، “«ابن الإنسان سوف يسلَّم إلى أيدي الناس فيقتُلونه، وفي اليوم الثّالث يقوم».” (مت 17: 22-23)، “… ويسلِّمونَه إلى الأمم لكي يهزأوا به ويجلدوه ويصلبوه، وفي اليوم الثالث يقوم».” (مت 20: 19). وبعد حادثة التجلي، طلب السيد المسيح من تلاميذه ألا يحدثوا أحدًا بما شاهدوه إلا بعد قيامته؛ وفي ليلة آلامه قال لتلاميذه: “«كلكم تشكون فيَّ في هٰذه الليلة …” (مت 26: 31).
وقد قام السيد المسيح فجر الأحد، والقبر مغلق، ثم دحرج الملاك الحجر عن فم القبر إعلانًا بقيامة السيد المسيح، ثم قال لـ”بطرس” و”يوحنا”: “«لا تخافا أنتما، فإني أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب. ليس هو هٰهنا لأنه قام كما قال! …”. (مت 28: 5 و6).
المسيح قام، بالحقيقة قام. كل عام وجميعكم بخير.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأرثوذكسيّ