No Result
View All Result
تحدثنا في المقالة السابقة عن إرادة الإنسان وكيف أنها تميز بين من شقوا طريقهم نحو النجاح وبين من توقفوا عن الحركة، وأنها تعمل بقوة حين توجد الغايات التي يسعى نحوها البشر، كما تتقوى بالاستمرار والصبر. وكما يقولون: “قوِّ إرادتك وعزيمتك، وتحدَّ العقبات التي تعترض طريقك، لتغرس علمك على قمم النجاح.”. فدائمـًا وأبدًا يظل الطريق إلى النجاح مكلَّلـًا بإرادة الإنسان، للمسير والوصول إلى أعلى قمم جبال النجاح. وكما قال “أبو القاسم الشابي”:
وَمَن لا يُحِبُّ صُعُودَ الْجِبالِ يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الْحُفَر
فما الذي يجعل الإنسان يخشى صعود الجبال إلا إرادة ضعيفة في نفسه؟
أيضـًا الإرادة تمنحك القدرة والطاقة لصنع ما يعجز الآخرون عن إتيانه؛ فما يرَونه هم أنه من دُروب المستحيل تستطيع أنت بإرادتك أن تحققه. وهٰكذا حين لا يكون هناك سبيل يصل بك إلى ما تتمناه، تتمكن بعزيمتك التي لا تفتُر من تمهيد طريق طالما شعر الآخرون أنه لن يكون؛ بل أكثر من هٰذا، يتبعون خُطواتك على دربك ليُصبح طريقـًا لهم ولمن يأتي من بعدك. لذٰلك، حقـًّا ما قيل: “إن فاقد الإرادة هو أشقى البشر”، إذ قد ترك حياته بلا قوة أو إنجاز، ومن ثَم لا تنمو أو تتطور.
قرأتُ بعض ما كُتب عن دولة “اليابان”. إلا أنه قد استرعى انتباهي بضع كلمات تقول: “إن اليابان تتعرض على مدار العام الواحد لأكثر من ألف هَِزة أرضية تتباين بين الشدة والضَُّعف”. لٰكنني أجد أن أبناء الشعب اليابانيّ قابلوا تلك المِحن ـ فجميعنا يعرِف الخسائر الفادحة والمدمرة للزلازل ـ بعزيمة شديدة تخطت ما تصنعه الزلازل من دمار، عاملين على بناء حياتهم واستمرارها، ليصير وطنهم من أقوى دول العالم. وهٰكذا أنت: بإرادتك وعزيمتك تستطيع أن تحوّل وتتخطى ما يعتبره من حولك دمارًا، أو وهمـًا، أو خيالـًا، أو مستحيلـًا. وتذكر دائمــًا أن النفوس العظيمة في الحياة هي التي تحمل الإرادة العظيمة، أمّا تلك الضعيفة فلا تعرِف سوى الأحلام.
أيضــًا تتقوى إرادة الإنسان من تلك القيم والمبادئ التي يعيشها بصدق في الحياة؛ إذ تَزيدان من إرادته وتُثبتانه في كل ما يعمل. إن المبادئ والقيم هما الصخرة العميقة المتأصلة داخله التي تُقوي عمله ويتكسر عندها كل يأس يمكن أن يحطمه. فإن كانت القيم التي يرفض الإنسان أن يتنازل عنها تُقوي عزيمته، وتساعده في اتخاذ القرارات الصائبة في الحياة دون تردد أو تراجع، وتُعد مصدر قوة عميقة داخله وسر صلابته وشدة عزيمته، فإن من يحيا بلا قيم هو كريشة في مهب الرياح أينما شاءت تُلقيها في أيّ طريق، إلى أن تتوارى عن الأعين وتتيه في خضم أمواج الحياة. لذا، عزيزي القارئ، تمسك بما لديك من قيم ومبادئ واثبُت فيهما، فهما ملاذك حينما يقف العالم كله ضدك، وثباتك عليهما هو الذي يشهد لك أمام الله. إن قيمـًا مثل: الأمانة، والعدل، والمحبة، والصدق، والرحمة، وغيرها؛ كانت وما زالت القوة التي شددت كثيرين في الحياة.
وهٰكذا، فلتقوَ إرادتك بوجود أهداف جليلة تسعى لإدراكها بالعمل والتدرب والصبر، وقُل لذاتك حينما تشعر بالضعف يدِب فيها: “استمري، يا نفسي، نحو هدفكِ. لا تتخاذلي، ولا تيأسي. قدِّمي كل ما تستطيعينه، وحتمـًا سيرى الله عملكِ وتعبكِ وجهادكِ، فيبارك خُطواتكِ ويحوّل كل أموركِ إلى الخير.”.
وأختُم كلماتي من شعر “المتنبي”:
عَلى قَدْر أَهْلِ الْعَزْمِ تَأْتِي الْعَزائِمُ وَتَأْتِي عَلى قَدْرِ الْكِرامِ الْمَكارِمُ
وَتَكْبُرُ فِي عَيْنِ الصَّغِيرِ صِغارُها وَتَصْغُرُ فِي عَيْنِ الْعَظِيمِ الْعَظائِمُ
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأرثوذكسيّ
No Result
View All Result