في المقالة السابقة عن الكلمة الطيبة وما لها من أثر قوي في تغيير النفس البشرية.
إن طريق الحياة ليس سهلًا، وإنما يمتلئ بكثير من الأتعاب والأشواك، والكلمات الطيبة التي يتلقاها الإنسان ممن حوله تنزِع هذه الأشواك؛ مما يهبه القدرة علي استكمال المسير. فالكلمات اللطيفة الطيبة تُبحر في أعماق الإنسان لتهدِّئ من تيارات الغضب وتُضمِّد الألم داخله؛ فتتحول الحياة من سيمفونية حزينة إلي طاقة إبداع تتلألأ وسْط العالم.
يقول الكتاب: “فمن يعرِف أن يعمَل حسنًا ولا يعمَل، فذلك خطية له.”؛ فكل خير يمْكن الإنسان أن يقدمه فليُسرع به إلي من يحتاجه. وإن كان هناك وقت مناسب لنقدِّم فيه الكلمات الطيبة إلي من حولنا، فهذا الوقت هو الآن. من أجمل الأقوال التي قرأتُها: “إن كان هناك كلمات طيبة يمكنني تقديمها إلي أي إنسان ألقاه في الحياة، فلْأُقدمها الآن دون تأجيل أو إهمال؛ فربما لا يمكنني لقاء هذا الإنسان مرة ثانية.” نعم، طريق الحياة يمتلئ بمن يحتاجون إلي كلماتك الطيبة الرقيقة التي تساعدهم علي تخطي ما يواجهونه من صعاب.
والكلمات الطيبة في حياة الإنسان تذكرني بقصة حدثت قبل زمن بعيد عن أحد الفقراء؛ قد اعتاد الوقوف علي أحد جسور مدينة لندن مستجديًا المال من المارة. كان النظر إلي الرجل يُثير الشفقة؛ فهو يقف وحيدًا، ترتسم علي وجهه الشاحب علامات الحزن والألم والأسي وقد خطَّتها يد الزمن. ولم يكُن يَصحَبه في وَحدته سوي آلة “كمان” تري عليها آثار القِدم والفقر مثل قانيها. كان يعزف الموسيقي آملًا في توقف بعض العابرين به ليمنحوه قليلًا من المال، إلا أن أحدًا لم يكُن يهتم به أو قد لا يشعُر بوجوده. وفي ذات يوم، توقف إلي جِوار الفقير رجل غريب. وارتسم الأمل في عينيّ الفقير وامتلأتا بصرخات التوسل الصامتة في أن يُعطيه بعض المال. إلا أن الغريب لم يقدِّم إليه مالًًا، بل أمسك بالكمان القديم وبدأ يعزف عليه ألحانًا جذبت المارّة أول مرة إلي مقربة من الفقير.
وأتي أول المارة ليستمع إلي النغمات العذبة، ثم ألقي بالنقود في قبعة الفقير، ولكنه لم يمضِ في طريقه بل استمر في الاستماع إلي الموسيقي الخلابة. ومع استمرار عزف الغريب البارع، ازداد عدد الذين توقفوا للاستماع إلي الموسيقي الساحرة، ومع ازديادهم امتلأت القبعة بالنقود. بل إن رجل الشرطة الذي حضر ليَصرِف الجمع توقف هو أيضًا أمام هذا الفنان! وفجأة سري همس بين الوقوف: إنه الفنان الموسيقار الإيطاليّ “نِيكولو باجانيني” أحد أشهر عازفي الكمان وأبرعهم في التاريخ ! فالكلمات الطيبة عزف علي أوتار الحياة لإسعاد البشر وتغيير حياتهم. فإن كانت الحياة ممتلئة بالهموم والاحتياجات، فالكلمات الطيبة كنغم ساحر يَسري في حياة من حولنا واهبًا لهم السعادة، والأمل في القدرة علي مواصلة المسير وتخفيف أعباء الحياة. وقف المحاضر أمام طلابه، ثم رفع كوبًا يمتلئ بالماء أمامهم، وسأل: أتستطيعون تقدير وزن هذا الكوب الذي ترَونه أمامكم؟ وبدأ المحاضر يستمع إلي إجابات طلابه التي تراوحت من٥٠ إلي٥٠٠ جرام. إلا أنه قال لهم: إن مشكلة حمل هذا الكوب لا تكمُن حقًّا في وزنه الفعليّ الذي يمكن قياسه، إنما في مدة الإمساك به ورفعه. فحين أقوم برفعه دقيقة لن أتعب، وإذا استمر الرفع ساعة فسأشعُر بألم في يدِي، أمّا إذا حملتُه يومًا فسيحتاج الأمر إلي سيارة إسعاف! وفي كل هذه الحالات لم يتغير وزن الكوب. لذا علينا أن نضع أحمالنا جانبًا بعض الوقت لنستطيع الاستمرار. وما أكثر احتياج كل من يحمل أعباء إلي كلمات طيبة رقيقة تُزيل عنه بعض أحمال الطريق ! يقولون: “الكلمات الطيبة تُسعد قلوب هؤلاء الذين يسافرون معنا في فترات الظلام التي تعبُر بنا في رحلة الحياة.” وللحديث بقية ……..
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ