يقولون: “الفرق بين الإنسان الناجح والآخرين ليس في نقص القوة أو نقص العلم، ولٰكن في نقص الإرادة.”. “إرادة الإنسان” ذٰلك السر العظيم الذي يدفع بصاحبه إلى الأمام حيث النجاح، ومن دونه يظل واقفـًا دون حراك. هناك من يملِك القوة والعلم، إلا أنه يظل في الظل إذ ينتظر الفرص أن تواتيه، أمّا أصحاب الإرادة القوية فليسوا هٰكذا. يقول أحدهم: “هناك أناس يسبحون في اتجاه السفينة، وهناك أناس يضيعون وقتهم في انتظارها؛ ذٰلك هو الفارق الذي يميز أصحاب الإرادرة من غيرهم.”. فما الذي يحرك هذه الإرادة؟ وما الذي يقويها أو يضعفها؟
يحرك إرادة الإنسان، كما ذكرنا، وجود “سفينة” يريد الوصول إليها، أعني وجود “هدف” يريد تحقيقه في الحياة. إننا ننطلق بقوة وإصرار حين يكون لدينا ما نسعى من أجله في هٰذه الحياة. لذٰلك، فأصحاب الإرادة التي لا تُقهر هم أناس وضعوا لأنفسهم هدفـًا ولديهم رغبة شديدة في الوصول إليه حتى أصبح دافعـًا لهم في حياتهم يُقوي من عزيمتهم ويخطو بهم نحوه. لذٰلك، اسأل نفسك بصدق: هل أملِك هدفـًا أو حُلمـًا في الحياة؟ إن كانت إجابتك: لا، فتوقف عزيزي القارئ عما أنت فيه، وابدأ بوضع هدف لحياتك، فوجود الهدف في حياتك يُقوي من عزيمتك وإرادتك للعمل من أجل تحقيقه، متحديـًا الصعاب والضيقات والمشكلات، إذ أمام ناظريك قد رسمت غايات تريد الوصول إليها. ودائمـًا قُل لنفسك كما قال أحدهم: “أنا مصمم على بلوغ هدفي، فإما أن أنجح، وإما أن أنجح.”!
وإن كان وجود الهدف قوة دافعة لتقوية إرادة الإنسان وحثه على العمل باجتهاد، فيجب أن يُدرك الشخص أن هٰذه الإرادة لا تتقوى إلا بالاستمرار والصبر؛ فآمالنا وأحلامنا لا تتحقق بين يوم وليلة وإنما تحتاج إلى الوقت. لذٰلك، دَع الوقت الذي يمر من حياتك عاملـًا على تقوية عزيمتك بالصبر، والعمل، والإصرار على الوصول إلى ما تتمنى. ولا تدَع الشعور باليأس أو الفشل يندسّ خُلسةً في حياتك؛ فالسفن العظيمة يهزمها ثقب صغير يتسرب منه الماء إلى داخلها. وكما قيل: “لا يصل الناس إلى حدائق النجاح دون أن تمر بهم مَِحطات التعب والفشل واليأس، وصاحب الإرادة القوية لا يُطيل الوقوف بهٰذه المَِحطات.”. فلا تُطِلْ لحظات ندمك، أو تستسلم لمشاعر التعب أو الفشل، بل حين تداهمك المشكلات لا تتوقف ولا تتراجع، بل اجعلها وقودًا يَزيد من إرادتك على تخطي الصعاب وهزيمتها، فهٰكذا كان جميع الناجحين في الحياة. وهنا لا تغيب كلمات المتنيح مثلث الرحمات البابا “شنوده الثالث” عن فكري حين قال: “كُن شديدًا فى الضيقة. لا تجعل الضيقة تحطمك، إنما حطمها أنت بإيمانك. إن الزجاجة إذا وقعت على صخرة، لا تحطم الصخرة، وإنما تتحطم الزجاجة؛ كُن إذًا صخرة.”. لا توجد حياة سهلة، أو نجاحات تتحقق دون عمل، إلا في الأحلام والخيال. إننا بنظرة سريعة على صفحات التاريخ الإنسانيّ، وفي ذاكرتنا البشرية، نجد أن العزيمة هي التي وهبت القوة والصبر لأولٰئك الذين صاروا نماذج مضيئة في الحياة. حقـًّا ما قيل من الزعيم الهنديّ “غاندي”: “القوة لا تأتي من المقدرة الجسدية، إنما تأتي من الإرادة التي لا تُقهر.”
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأرثوذكسيّ