No Result
View All Result
يقولون: “عظمة النفس الإنسانية في قدرتها على الاعتدال لا التجاوز.”. فالاعتدال سمة من سمات الشخصيات الناضجة التي تساعد الإنسان على الارتقاء بطبيعته الإنسانية ومعاملاته مع الآخرين؛ لتصل إلى أفضل صورها في الحياة؛ ومن هنا يستطيع الإنسان أن يحقق السعادة والراحة في الحياة لنفسه وللآخرين.
والاعتدال أمر مطلوب في جوانب الحياة كافة. فنزوع الإنسان نحو اتجاه معين قد يؤدي إلى اندفاعه في طريق يؤدي إلى الخَسارة وعدم تحقيق ما يتمناه من أهداف، كذٰلك يجعله يفقد قدرته في الحكم على الأمور أو تقييمها بأسلوب صائب وهو ما يؤثر في قراراته.
والاعتدال لا يعني فقدان الإنسان مبادئه التي يعيش بها في الحياة، وإنما هو طريقة متزنة لتقديم هٰذه المبادئ إلى الآخرين والحياة وَفقـًا لها، وبأُسلوب معتدل لا يسلُب أحدًا حريته. وهناك ارتباط بين توازن الإنسان واعتداله وبين كثير من القيم والفضائل.
الاعتدال والعدالة
ترتبط العدالة التي يسعى لها البشر ارتباطـًا وثيقـًا باعتدال الإنسان في أفكاره ومشاعره؛ فيكتسب القدرة على أن يحكم حكمـًا صائبـًا فيما يُعرَض عليه من أمور، وما يمر به من مواقف. وفي اعتدال الإنسان الحكمة التي تُتيح الفرصة لصاحبها أن يسمع الآراء التي تخالفه الرأي، وهٰذا بدوره يساعد العقل على الانفتاح على أفكار أخرى جديدة؛ فيتسع أفق الإنسان وتتاح الفرصة أمامه لعرض جوانب متعددة للأمور؛ فيكون أكثر حكمة وأكثر عدلـًا في تناوله الأمور. كذلك فإن الاعتدال لا يجعله يتسرع في الحكم على آراء الآخرين ومواقفهم، بل يفتح المجال للمناقشة والتحاور لتفهم ما يريد الآخرون قوله، والأسباب التي جعلتهم يتخذون مواقف معينة. ومن هنا جاءت كلمات الفيلسوف اليونانيّ “أرسطو” عن العدالة: “فضيلة العدالة تتلخص في الاعتدال الذي تصنعه الحكمة”.
الاعتدال في أمور الحياة
والاعتدال أيضـًا يتطرق إلى فكر الإنسان ومشاعره؛ فالانسياق وراء المشاعر فقط، دون إعمال العقل، يجعله كثيرًا ما يقع في دائرة اليأس والألم أو الخداع، في حين إضفاء العقلانية على المشاعر التي يشعر بها الإنسان يجعله أكثر اتزانـًا في الحياة. وقيل: “ضع قليلـًا من العاطفة على العقل فيلين، وضع قليلـًا من العقل على القلب فيستقيم.”. فالعَلاقات الإنسانية حين تكون بالعقل فقط، تكون جامدة جُمود الصخر، وبالمشاعر فقط تكون غير متزنة. أمّا حين يتفق العقل والمشاعر، فهٰذا لا يعني لها إلا رحلة إلى حيث البقاء والخُلود!
أيضـًا يجب أن يعتدل الإنسان في مواقفه؛ فلا يكون متسرعـًا أو مبطئـًا، مكثرًا أو مقللـًا، بل يتدرب على تقديم القدر المناسب. فكلا الاثنين: ذٰلك الإنسان الذي يُسرع بالتحدث بما يعرفه، والآخر الذي لا يقدم ما يعرفه، يُخطئ، إذ هناك وقت للسُّكوت ووقت للتحدث وهو ما يُدرِكه الإنسان المعتدل، ليس فقط في الحديث أو الصمت بل ما يجب أن يقال وما يجب ألا يقال. أيضـًا الوالدان اللذان يقدمان لأبنائهما محبة زائدة، أو هٰذان اللذان يعاملانهم بشدة وقسوة دائمة، فلن ينتج عن هٰذه أو تلك إلا شخصيات غير متزنة لا تستطيع أن تحيا في سعادة وهدوء! وفي هٰذا يقولون: “قليل من الماء لا يُنقِذ، وكثير من الماء يُغرق. فلا يوجد ما هو أروع من الاعتدال في كل الأمور!”.
لذٰلك، على الإنسان أن يقيّم حياته ومواقفه بين الحين والآخر؛ يقيّم: أفكاره، ومشاعره، واتجاهاته، وأعماله، ما يقدم إلى الآخرين وما يأخذه منهم، ويعدّل ما يحتاج إلى تعديل حتى يصل إلى أقرب وسائل الاعتدال في الحياة؛ فيُسعد من يلتقيه في الحياة؛ أمّا هو فيملأ السلام والهدوء قلبه وعقله وضميره.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ
No Result
View All Result