No Result
View All Result
تحدثنا في المقالة السابقة عن الإنسان الحكيم الذي يُدرك أن رحلة حياته هي سبيل للتعلم من خلال المواقف التي يمر بها. كما أنه يُدرك أن الآخرين الذين يمرون بحياته هم لنموه، فنجده يحمل محبةً وتقديرًا واهتمامًا ومساعدةً للجميع. إنه أيضًا يُعلم ويتعلم مُدركًا أهمية الأفكار لتكوين سلوك الإنسان في حاضره ومستقبله. والإنسان الحكيم يُدرك ما معه من إمكانات ويستخدمها بأسلوب مناسب، سواء هذه الإمكانات ذهنية كانت أم مادية، أو قدرات فيه أو فيمن حوله. وفي أثناء هذا يساعد نفسه ومن حوله في عبور رحلة الحياة بكل سلام وهدوء وسعادة. .يُذكرني هذا بأحد الأغنياء الذي كان جالسًا في حديقة منزله يراقب ابنه الصغير الذي يلعب حوله بكُرته الجديدة بسعادة. وقام الطفل بقذف الكرة بقوة لتتعلق بإحدي الشُّجيرات، فأسرع وأخذ يقفز محاولًا إحضار الكرة، ولكنه لم يستطِع لقصر قامته. ظل الطفل يقفز ويقفز محاولًا الوصول إلي الكرة، ولكنه باءت كل محاولاته بالفشل. تعجب الأب ونادي ابنه وقال له: يا ابني، لمَ لا تستخدم كل إمكاناتك؟ فأجابه الابن: أنا أفعل ذلك يا أبي؛ أحاول أن أقفز لأصل إلي الكرة. فقال الأب: ولكنه لم تطلب مساعدتي!! وهنا فقط أدرك الابن أن هناك شيئًا لا يستطيع القيام به بمفرده! فالابن اعتقد أن قدراته هي فقط ما يمتلكه؛ ناسيًا أن إمكانات أبيه هي أيضًا في متناوله وتحت أمره، فركز فكره فقط في استخدام إمكانياته؛ المحدودة بالنسبة إلي تلك التي لأبيه. وهذا يناقض رؤية الحكيم للأمور؛ فمن هو حكيم يُدرك أن المهام تُنجز بواسطة من يستطيع القيام بها علي الوجه الأكمل والأفضل، فيعي ويُدرك إمكاناته هو ومَن حوله أيضًا، مؤمنًا بأنه لا يستطيع شخص واحد إنجاز جميع أنواع المهام مهما كانت براعته.وإن كانت المهام لكي تتم علي أكمل وجه تحتاج إلي فَهم ودقة وبصيرة، فرؤية الحكيم الدقيقة للأمور تجعله قادرًا علي مساعدة من يلجأ إلي حكمته.
ذهب شاب إلي أحد حكماء الصين يسأله عن سر النجاح في الحياة. أجاب الحكيم: إن الدوافع هي سر النجاح. سأله الشاب: من أين تأتي هذه الدوافع؟ أجاب الحكيم الصيني: من الرغبات القوية داخل الإنسان. حينئذ سأله الشاب: وكيف يكون لدينا رغبات مشتعلة قوية؟
وهنا تركه الحكيم وعاد بعد دقائق قليلة وهو يحمل وعاءً كبيرًا ممتلئًا بالماء وسأل الشاب: هل أنت صادق في أنك تريد معرفة مصدر الرغبات؟ قال الشاب: كل الصدق! طلب الحكيم من الشاب أن يقترب من الوعاء و ينظر فيه. وبينما ينظر الشاب في الوعاء، دفع الحكيم رأس الشاب داخل وعاء المياه ولم يتركها!! مرت عدة ثوانٍ، وعندما بدأ يشعر الشاب بالاختناق، بدأ يقاوم بشدة حتي نجح في إخراج رأسه من الماء. نظر الشاب بغضب شديد إلي الحكيم و سأله عن سبب ما فعله. ولكن الحكيم سأله: ما الذي تعلمتَه من هذه التجربة؟ فقال الشاب: لم أتعلم شيئًا!فنظر إليه الحكيم قائلا: لا، لقد تعلمتَ الكثير! ففي الفترة الأولي حاولت أن تخرج رأسك من الماء ولكنه دوافعك لم تكن قوية لتُسعفك علي القيام به هذا. ثم عندما زادت رغبتك بدأت في التحرك والمقاومة. وأخيرًا استطعت ونجحت عندما صارت لديك الرغبة القوية الكافية لتخليص نفسك من يدي. واختتم الحكيم قوله: عندما يكون لديك الرغبة القوية للنجاح فلن يستطيع أحد أو شيء إيقافك.
حقًا إن الحكيم يُدرك أهمية القول: [البشر ليسوا سجناء المصير، ولكنهم سجناء أفكارهم.]؛ فما يعتقده الإنسان يكوِّن سلوكه في الحياة إزاء نفسه والآخرين.
قرر أحد السائحين بمدينة القاهرة أن يزور رجلًا حكيمًا مشهورًا. تعجب السائح عندما رأي الحكيم يعيش في غرفة واحدة أثاثها متواضع، ولكنها ممتلئة بالكتب. فسأله السائح: أين أثاث بيتك؟ أجاب الحكيم: وأين أثاث بيتك أنت؟! أجاب السائح بتعجب: أثاثي أنا؟! أنا هنا زائر أُقضِّي بعض الوقت، وحتمًا سأرحل وأعود إلي بلادي. أجابه الحكيم: أنا أيضًا سأُقضِّي بعض الوقت هنا، ثم أرحل!!
لقد أدرك الحكيم أن الحياة مؤقتة وحتمًا ستنتهي. لذا اهتمَّ بأن يعيش الحياة باحثًا عن الحكمة ومساعدة من حوله بما يعرفه ويتعلمه. فالحكيم يُعلِّم ويتعلم … مؤمنًا بالقول: [غيِّر من أفكارك، وحينئذ تستطيع أن تغيِّر عالمك.].
و … والحديث عن الحكمة لا ينتهي .. ولكن لأن الحكيم يخاطبنا: “.. لا تكُن حكيمًا بزيادة.”، فقد يكون من الأفضل أن نلتقط أنفاسنا ونراجع ما قد استوعبناه من ينابيع الحكمة !
No Result
View All Result