تحدثنا في المقالة السابقة عن خير الإنسان الذي ينبغ من خير الله المطلق وعن دعوة الأديان إلي فعل الخير. والإنسان الخير هو إنسان متواضع وهو يقدم الخيرلمنفعة الاخرين في حياتهم المقبلة وإن اقتضي هذا بذل مزيد من الجهد انه يساعدهم لاكتشاف ما لديه من قدرات وتنميتها.
وهنا أتذكر «ابراهام لينكولن» رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الذي ذكر أن والدته توفيت وهو ما يزال في التاسعة من عمره وبعد عودة الأسرة إلي ولاية كنتاكي التقي أبوه هناك «سارة بوش جونستون»، وتزوج بها لتصبح زوجة الأب لآبراهام لينكولن، ولكنها كانت انسانة رائعة، صانعة للخير حتي إنها صارت مثل صديقة له وشقيقة كانت «سارة» دائما ما تحدث «آبراهام» علي تثقيف نفسه، وقد ذكر أن «ابراهام لينكولن» لم يكن علي علاقة وثيقة بوالده ولكنه كان قريبا جدا من زوجة أبيه وكان يناديها دائما بلقب«أمي» وقد قال عنها: «إني مدين بكل ما وصلت إليه وما أرجو أن أصل اليه من الرفعة إلي أمي الحنون إن ما زرعته تلك الأم الفضلي لم تحصده هي أو «لينكولن» فقط بل دولة بأسرها استطاع أن يحركها نحو النمو والتقدم فاعتبر أحد أهم أهم رؤسائها
أيضا الإنسان الذي يحب الخير ويصنعه لا يغلبه الشر الذي يبادره به الآخرون بل يقدم مقابل الشر الذي يتعرض له خيرا كثيرا، وإن لم يكن في استطاعته، يقدم صلوات من أجل من صنع معه هذا الشر واثقا بأن الله يحول الشر إلي خير، وبذلك تتكون في صانع الخير قدرة وطاقة من الخير كبيرتان، تقاومان وتغلبان الشر يقول غاندي «اذا قابلنا الإساءة بالإساءة، فمتي تنتهي الاساءة» فالدخول في دائرة الشر والبغض والكراهية لا يمكن كسره إلا ببصيص ضوء الخير وشعاع المحبة، وحينئذ تتحول الأرض إلي سماء.
وكما أن الشر لا يوقف الإنسان عن إتيان أعمال الخير، هكذا من يسعي نحو الخير لا يبحث عن أسباب أو مبررات ما يقدمه من عطاء وخدمة وما يستطيعه من خير، ولا يضع لأعماله هذه شروطا، بل يقدمها إلي الجميع حينما تتاح له فرصة صنعها وربما يكون عمله بسيطا، لكن الخير الذي يحمله يكون عميقا ومؤثرا في حياة الآخرين.
إنه يذكرني بذلك الملك الذي قرر أن يضع صخرة كبيرة في منتصف طريق أحد أهم شوارع المملكة واختفي ليري ما يفعله كل من يمر بهذه الصخرة. كان أول المارين أحد التجار الأغنياء، وحين رأي الصخرة تعجب من هيئتها، ثم دار حولها ومضي في طريقه ثم مر بعض سكان المملكة، وما إن رأوا الصخرة في منتصف الطريق تسده، حتي بدأوا يشكون ويتذمرون ويتحدثون عن الإهمال الذي تعانيه مملكتهم ثم مضوا إلي حال سبيلهم وظل الحال هكذا حتي مر بالطريق فلاح فقير، كان قادما من حقله ومتجها إلي منزله، حاملا سلة من الفاكهة وما أن رأي الصخرة حتي أسرع بإنزال السلة من علي كتفه، وبدأ يدفع الصخرة بعيدا عن الطريق وعندما انتهي من مهمته بنجاح، وهم أن ينحني ليرفع سلته، اذ يشاهد حقيبة في مكان الصخرة، فلما فتحها، وجد بها ذهبا! ورسالة قصيرة من الملك تقول: هذا الذهب يصير ملكا خاصا لمن يقوم برفع الصخرة من وسط الطريق «فاملأ حياتك بالمحبة والخير للناس ليملأها الله بالبركات» يقول الكاتب الأديب «توفيق الحكيم» «بورك من ملأ حياته بعمل الخير، لأنه أدرك أنها أقصر من أن يضيعها بعمل الشر» وللحديث بقية…
لأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ