No Result
View All Result
تحدثنا في المقالة السابقة عن العدل الذي يُعده الفلاسفة أعظم الأعمال الإنسانية، فالعدل قوة الأمة وقوة الإنسان العادل، ثم أسردنا بعضًا من أحكام “حاكم عادل” صار عدله أنموذجًا يُحتذى به ومضرب الأمثال؛ وهو الخليفة عمر بن الخطاب.
فالعدل طريق يختاره الإنسان ـ أو شعب بأكمله ـ في مسيرته عبر التاريخ ليرسم به دربًا يقتفي آثاره كل من عاش لاحقًا، لهٰذا قيل: “في طريق العدل أتمشى، في وسَط سبل الحق”، وعندما نسلك طريق العدل يُعرف الأمن والسلام على مر العصور.
يقول السياسي العسكري المحنك “أيزنهاور” ـ الرئيس الـرابع والثلاثون للولايات المتحدة الأمريكية ـ أول قائد أعلى لقوات حلف الناتو ـ عن السلام بعد أن قاد حروبًا عدة واختبر ويلاتها: [إن السلام والعدل وجهان لعملة واحدة.]، فوضَع هٰذا القائد السلام والعدل جنبًا إلى جنب؛ بحيث متى تتحقق إحداهما نجد الأخرى كذٰلك. وقيل أيضًا عنهما: [إذا أردتَ السلام فحقِّق العدل]. ومن هنا نجد أنه إن أرادت أمة أن تعرف طريقها إلى الأمن والسلام فلا سبيل إلا بتحقيق العدل بين جميع رعاياها.
وفي هٰذا الأمر يقول الكتاب: “ويكون صُنع العدل سلامًا، وعملُ العدل سكونًا وطمأنينة إلى الأبد.”، لأنه إن تحقَّق العدل بين البشر كف الشرير عن شره، وازداد الخيِّر في خيره، فبات السلام بكل ما يحمله للحياة من معاني الطمأنينة مظللا حياتهم، وهو ما سعت البشرية من القديم ـ وما زالت تسعى ـ لتحقيقه.
أمّا عن الظلم فهو كتيار يجرُف كل من في طريقه إلى هاوية سحيقة فإن “اغتصاب الأشرار يجرُفهم، لأنهم أبَوا إجراء العدل.”، فمن لا يعدِل يُحسب من الأشرار وتجرُفه تيارات الشر حيث يٌقضَى عليه إذ هو رافض للسلوك بعدل. بل إن طريق السلام يجهله غير السالك بالعدل فقيل: “طريق السلام لم يعرفوه، وليس في مسالكهم عدل. جعلوا لأنفسهم سبلا معْوَجَّة. كل من يسير فيها لا يَعرِف سلامًا.” إن أمن البشر ينشأ من رغبتهم في تحقيق العدل؛ لا الرغبة العاجزة بل تلك التي تمارسه مع الكل دون تفريق؛ وأولهم الشخص نفسه.
وهنا أتذكر قصة الخليفة العادل عمر بن الخطاب؛ لما وصلته أثواب كثيرة جديدة, فقام بتوزيعها بين الناس ونال كل منهم ثوبًا واحدًا. فلما رآه أحدهم يلبَس حُلة من ثوبين، ويقف لوعظ الناس قال للخليفة: إنه لا سمْع لك ولا طاعة. فقال له الخليفة عمر مستغربًا: ولِمَ يا أبا عبدالله ؟! فقال: إنك قسَّمتَ علينا ثوبًا، وأعطيتَ نفسك ثوبين! فلما سمِع الخليفة، طلب منه ألا يتعجل الحكم، ونادى ابنه ليسأله أمام الجميع، فأجاب بأن الثوب له! وهنا أدرك الجميع أن الخليفة الحاكم عدل مع نفسه قبل شعبه.
ولذا أيضًا نجد أنه لما أرسل “كسرى” ملك الفرس رسولًا إلى الخليفة، وجده نائمًا في الشمس على الأرض فوق الرمل واضعًا رأسه على عصاه التي كانت كوسادة له؛ فوقف عند رأسه وقال: رجل يهابه جميع الملوك وتكون هٰذه حاله!! ولكنك عَدَلتَ فأمِنتَ فنمتَ يا عمر .
إن تابع العدل والرحمة يجد أيضًا الحياة والكرامة، والبلاد التي تنعم بممارسة العدل بين رعاياها تنعم بالكرامة؛ قيل في سفر المزامير: “وعِزّ الملك أن يحِب الحق”.
إن السلام والأمان والخير التي تنشدها البلاد يكمُن في عدلها، كما أن قوتها وعزها هما أيضًا في العدل الذي يحققه كل فرد وكل مسؤول فيها، لئلا تصير البلاد الآمنة قلقة متهاوية أمام الرياح التي تأتيها من كل صوب وحَدَب. و … و للحديث بقية …
الأسقف العام ورئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأرثوذكسيّ
No Result
View All Result