No Result
View All Result
يحتفل مَسيحيُّو الشرق بعيد “أحد الشعانين” أو “أحد السَّعَف” وهو الأحد الذي يليه “الأسبوع العظيم” أو “أسبوع الآلام” الذي ينتهي بالاحتفال بـ”عيد القيامة”. وقد سُمي هٰذا اليوم بـ”أحد السَّعَف” لأن السيد المسيح دخل مدينة أورُشليم ملكـًا راكبـًا على جحش، واستقبلته الجموع بسَعَف النخيل وأغصان الشجر مع الهُتاف.
وما يسترعي الانتباه في القصة، أن كل من شارك في أحداثها اتصف بفضيلة العطاء؛ فنجد “أصحاب الجحش” يقدمونه إلى السيد المسيح ليركبه؛ فقد قيل: “… هوذا ملككِ يأتيكِ وديعـًا، راكبـًا على أتان وجحش ابن أتان».”. و”التلاميذ” الذين يتبعون السيد المسيح، ذُكر عنهم أنهم وضعوا ثيابهم على الجحش وافترشوها في الطريق؛ “وأتَيا بالأتان والجحش، ووضعَا عليهما ثيابهما فجلس عليهما. والجمع الأكثر فرشوا ثيابهم في الطريق.”. كذٰلك قدَّم “بعض من الجمع” سَعَف النخيل وأغصان الزيتون؛ و”آخرون” قدَّموا الهُتاف والتحية. وهٰكذا يصير العطاء جزءًا أصيلـًا في أعماق الإنسان، يقدِّمه بمحبة كبيرة في داخله نحو الله، ومن ثَم تنتقل إلى الآخرين. إن من يعرِف الله ويُحبه، لا يجد نفسه إلا وهي تحمل مشاعر فياضة من الحب إلى جميع البشر، إذ هم صنعة يدي الله، فيقدم إليهم ما يستطيعه.
ومصدر العطاء في حياة الإنسان هو المحبة الحقيقية، والرحمة التي يحملها في قلبه. وهنا أتذكر قصة عن أخوين كانا يعيشان في مزرعة يمتلكانها، وكان نصيب كل منهما نصف محصول هٰذه المزرعة. كان أحد الأخوين متزوجـًا ويعول عائلة كبيرة، أمّا الثاني فكان عَزَبـًا. وفي أحد الأيام، فكر الأخ العازب في نفسه، وكان محبـًّا: إن حصولي على نصف المحصول وتقاسمي الأرباح أنا وأخي لا يُعد عدلـًا! فأنا بمفردي وحاجاتي بسيطة. وهٰكذا قرر الرجل أن يأخذ من مخزنه كيسـًا من الحبوب ويضعه في مخزن أخيه. وفي الوقت نفسه، كان الأخ المتزوج يفكر في أنه ليس عدلـًا أن يقاسم أخاه الإنتاج والأرباح؛ فهو متزوج وله زوجة تهتم به، وأطفال يومـًا ما سيكونون سنده ويرعَونه، في حين إن أخاه وحيد لا يهتم به أو بمستقبله أحد. فما كان من الأخ المتزوج إلا أن قرر أخذ كيس من الحبوب ليضعه في مخزن أخيه. وظل الأخوان على هٰذه الحال زمنـًا طويلـًا حتى جاءت ليلة التقيا وكل منهما يحمل كيسـًا إلى مخزن الآخر، وعندئذ تعانقا في محبة متناهية!
ربما يتسائل أحد: ماذا يمكن أن أقدم، والحياة متعثرة، وكثيرون يستوفون حاجاتهم الأساسية بصعوبة شديدة؟! نعم، إن هٰذا حقيقيّ. ولٰكن دعني أقول لك إن كل من قدَّم إلى السيد المسيح في أحد السَّعَف تباين عطاؤه عن الآخر: فهناك من قدَّم مما يملِك كهؤلاء الذين قدموا الجحش ولم يبخلوا به، وهناك من قدَّم ثيابه أيِ الإكرام والتعبير عن الحب الذي تفتقده الإنسانية في هٰذه الأيام، وهناك من قدَّم مما وهب الله له مثل هؤلاء الذين قدَّموا أغصان الزيتون. وكما نعرِف، فإن شجر الزيتون هو دائم الخضرة، ومعمِّر، وله قدرة على الصمود في ظروف بيئية قاسية، إذ يحتمل الجفاف وقلة الخصوبة؛ ولذا فأغصانه تعبِّر عن العطاء من الهبات التي منح الله إياها كل إنسان، وأوراقه الخضراء التي لا تغيب عنه ترمز إلى استمرارية العطاء دون توقف في جميع الأحوال ولجميع البشر، واحتماله للظروف القاسية يمثل الإنسان المتسامح الذي يحتمل ضعف الآخرين فيظل دائمـًا نبعـًا للعطاء دون توقف. وكما رمَز غصن الزيتون في الثقافات المتعددة إلى السلام والحكمة، قدِّم أنت أيضـًا السلام، وما منحك الله إياه من حكمة، إلى الآخرين.
عزيزي: كُن في الحياة دائم العطاء، لأن هٰذا هو ما سيرافقك على الأرض وفي السماء أمام الله.
No Result
View All Result