تحدثنا في المقالة السابقة عن كرم الأخلاق الذي يعود بالخير علي صاحبه كما حدث في قصة الفندق، وكيف صار موظف الاستقبال مديرًا لأكبر فندق في العالم لكرمه.
إن كرم الأخلاق لا يؤثر في صاحبه أو علي أحد أفراد أسرته فقط بل قد يمتدد إلي كل الإنسانية. وقد بدأنا في المرة السابقة قصة عن أحد الفلاحين البسطاء الذي أنقذ صبيًّا من الموت المحقق. وحين التقي والدُه الغنيُّ الفلاحَ ليكافئه، رفض الفلاح قبول أي شيء مقابل كرم أخلاقه. وفي تلك اللحظة ظهر ابن الفلاح أمام باب كوخ الأسرة، فسأل الرجلُ الفلاحَ: أهذا ابنك؟ أجاب الفلاح الرجل بكل فخر: نعم. فحينئذ قال له الرجل: سأقوم بعقد اتفاق معك، سأتكفل بكل نفقات تعليم ابنك وبالمستوي التعليميّ نفسه الذي يتلقاه ابني! ومتي كان الصبي كريم الخلق مثل أبيه فبلا شك سيكون رجلا يفخر به كِلانا.
وبالفعل بدأت رحلة تعليم هذا الصبيّ؛ فدخل أفضل المدارس، وأتم دراسته بتفوق حتي التحق بمدرسة الطب بمستشفي سانت ماري في لندن، وتخرج فيها طبيبًا فذًّا. نجح هذا الطبيب وذاع صيته في العالم كله وعُرف باسم السير “ألكسندر فلِمِنج” مكتشف “البنسلين”!! إلا أن القصة لم تنتهِ، فبعد عدة سنوات أصيب ابن الرجل النبيل ـ الذي أنقذه الفلاح سابقًا ـ بالتهاب رئويّ، لينجيه ابن الفلاح د. “فلمنج” باختراعه “البنسلين”، بل وينقذ البشرية كلها علي مر السنين. لقد كان الرجل النبيل هو “راندولف تشرشل” رئيس وُزراء بريطانيا القائد الحكيم، وابنه هو السير “ونستون تشرشل”!
وفي هذه القصة نجد بعض الملاحظات:
أولاً: كان “تشرشل” قائدًا حكيمًا كريم الخلق تجاه كل من يلقاهم، ولذا فقد جادت عليه الأقدار بكرمها مكافأة علي كرم خلقه بإرسال من أنقذ له ابنه عندما تعرض لخطر الموت في المستنقع.
ثانيًا: إن الفلاح لم ينقذ الصبيّ ردًّا لجميل سابق، بل ولم يكُن يعرف أنه يصنع جميلا لرئيس الوزراء البريطانيّ آنذاك!!
ثالثًا: كرم أخلاق الفلاح البسيط كان سببًا في الخير لابنه بإتاحة فرصة نَيل تعليمه لن تكون في استطاعة والده أن يهيئها له. لقد تغير مستقبل الصبيّ تمامًا فبدل أن يصبح فلاحًا بسيطًا كوالده، صار طبيبًا، عالمًا، مكتشف أحد الاكتشافات الطبية الأكثر أهمية للإنسانية، منقذًا حياة ملايين البشر.
يقولون: “إن التصرف بكرم لا يستفيد منه من يتلقاه فقط، وإنما كذلك من يمنحه “. وقفت السيدة “إيدي” لا تدري ما تفعله بعد أن تعطلت سيارتها في منطقة نائية، وفي وقت الشتاء القارس؛ حتي اقتربت منها سيارة يقودها “چو” ـ المعروف بكرمه ودماثة خلقه. توقف “چو” ليساعد السيدة في إصلاح سيارتها، وكانت تخشاه بادئ الأمر إلا أنه أدخل الطمأنينة إلي قلبها. وفي وقت قصير، استطاع أن يُدير محرك السيارة لتستطيع السيدة إكمال طريقها. حاولت “إيدي” أن تهِب “چو” بعض المال إلا أنه رفض، وطلب إليها أن تقوم هي أيضًا بعمل خير تجاه من يحتاج إلي مساعدتها. ومضي كلٌّ في طريقه، لتتوقف السيدة لتناوُل مشروب دافئ قبل إتمام رحلتها. وهناك لاحظت السيدة أن الفتاة التي تقدم إليها المشروب متعَبة. وبعد حديث قصير بينهما، أدركت السيدة أن الفتاة تعمل من أجل حاجة مولودها الجديد إلي المال. عادت الفتاة لترتيب المكان بعد رحيل السيدة، ووجدت ورقة مالية كبيرة المبلغ، معها ورقة أخري بها الكلمات الآتية: هذا المبلغ هو هدية مني إلي مولودك الجديد، فقد التقيت شخصًا يُدعي “چو” قدم إليّ يد المساعدة، وطلب مني أن أقدمها إلي الآخرين وها أنا أفعل! عادت الفتاة سعيدة إلي المنزل، لتخبر زوجها “چو” بالقصة!! فكرم أخلاقه عاد إليهم بالخير جميعًا. وللحديث بقية …
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ