تحدثنا كيف يساعد كرم أخلاق الإنسان في إفادة البشرية بأسرها مثل الطبيب “ألكسندر فلِمِنج”، وكيف يعود ايضًا بالخير علي كل من يسلك به. إن كرم الأخلاق هو في أن يعطي الإنسان ويقدم دون أن يُسأل أو يُطلب إليه، ولن يُنسي عطاؤك أمام الله، وحتمًا سيُرَدّ يومًا لك أو لأسرتك. وقد يُرَدّ بما يعود بالنفع والخير للإنسانية كلها؛ فحين يملأ الخير والعطاء الكريم حياة البشر، يري الله صانع الخيرات هذا ويستحسنه؛ فيكافئ بالأكثر البشرية بخيره الجزيل وتعُمّ نعمه كل إنسان.
لذلك ابحث دائمًا داخل أعماقك كيف تكون كريمًا مع من حولك، كريمًا في سلوكك وردود أفعالك، وتذكر أن الكرم لا يحتاج إلي ثروات، بل مجرد ابتسامة أو سؤال عن شخص، أو مساعدة آخر في عبور طريق أو إنهاء عمل له، أو تقديم نصيحة صادقة حقيقية نابعة من قلب محب للجميع، أو إنقاذ شخص من خطر أو ظلم، قد يكون للآخر هو قمة الكرم.
يقول أحدهم: بينما كنتُ عائدًا في الطريق إلي منزلي رأيتُ مجموعة من الصبية يضرِبون طالبًا، ثم يقومون بإلقاء كتبه علي الأرض ويهربون. أسرعتُ إلي معاونته بجمع كتبه وأدواته، ولكنني رأيتُ حزنًا عميقًا يملأ عينيه، فابتسمتُ له، فابتسم وشكرني. وبينما نكمل الطريق سويًا، سألتُه عن اسمه ومكان سكناه، فاكتشفتُ أننا نسكن معًا في الحيّ نفسه. قررتُ اصطحابه إلي منزله، وساعدتُه في حمل بعض الكتب. وبينما أودِّعه بعد الوصول إلي مسكنه، سألتُه أن يلعب معي ومع أصدقائي فوافق، والتقينا في عطلة نهاية الأسبوع.
ومن ذلك الوقت نشأت بيننا عَلاقة صداقة حميمة علي مر الأيام حتي انتهينا من الدراسة الثانوية. وشاءت العناية الإلهية أن تجمعنا جامعة واحدة، فالتحق هو بكلية الطب وكان متفوقًا فيها، أما أنا فقد التحقتُ بكلية الاقتصاد.
ومرت السنون وجاء يوم التخرج. ولأن صديقي كان مشهورًا بذكائه وتفوقه وحُب الجميع له، فقد طُلب منه أن يُلقي كلمة الخريجين. ووقف صديقي يتحدث، ولكنه كان مشدودًا قليلًا، فابتسمتُ له من بعيد وشجعتُه، فبادلني الابتسامة وقال لي: شكرًا. ثم بدأ كلمته قائلًا: إن يوم التخرج في الجامعة هو يوم يشكر فيه الإنسان كل من مد له يد العَون، ورافقه طوال رحلة دراسته من الأهل والمعلمين والأساتذة؛ وخصوصًا الأصدقاء. ثم أضاف: ولكن اسمحوا لي أن أروي لكم قصتي.
وبدأ صديقي يحكي قصته من اليوم الذي قابلتُه فيه أول مرة عندما تعرض للضرب وإلقاء الكتب من الصبية عليه في الشارع. واستطرد قائلًا إنه في ذاك اليوم كان يفكر في الإقدام علي الانتحار! وهنا توقف قليلًا عن حديثه، ونظر إليَّ مبتسمًا، ثم قال: لكنني لم انتحر؛ لأنني وجدتُ صديقًا ابتسم لي، وأعاد إليَّ بهجة الحياة بابتسامته دون أن يدري! ثم أشار إليَّ وابتسم مجدَّدا لأري عينيه وقد امتلأتا بنظرة مِلؤها الشكر والسعادة. في تلك اللحظة، نظرتُ إلي والديه لأري أعينهما وقد اغرَورَقَت بالدُّموع، وابتسما لي ابتسامة شكر هما أيضًا. فحينئذ ـ فقط ـ فهمتُ عمق معني ابتسامتي الأولي لصديقي ومدي تأثيرها فيه!
في طريق الحياة لا تنتظر دعوة إلي تقديم العَون للآخرين، فالكرم الذي تحمله داخلك هو الذي يدعوك إلي أن تمُدّ يد المساعدة بكل أنواعها لمن يسير معك في درب الحياة. ولا تظن لحظةً أن عملك غير محفوظ لك بالخير. لا تتشكك أنك ستقدِّم والآخرين لن يقدِّموا، أو أنك حين تحتاج لن تجد من يقدِّم إليك. عفوًا عزيزي الإنسان، كُن إنسانًا في حياتك وتعاملاتك تجاه من حولك، وستجد أن طريق الحياة يمتلئ بمن يحملون الإنسانية في أعماقهم؛ فإننا لا نري أمثال هؤلاء لأننا منشغلون بأنفسنا جدًا!
وقف الغلام الصغير وهو يحمل داخله خجلًا وحياءً شديدين وهو يسأل مساعدة الغير و
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ