تحدثنا عن الكرم أنه لا يحتاج الي ثروات، بل أعمال بسيطة حقيقية من القلب يحتاجها من حولنا، قد تعد هي كل الكرم. وفي طريق الحياة لا تنشغل بنفسك عمن حولك ولا تنتظر دعوة أو طلبا لتقديم العون الي الآخرين، بل مد يدك بالخير الي الجميع.
وقف الغلام الصغير وهو يحمل داخله خجلاً وحياء شديدين وهو يسأل مساعدة الآخرين في الحصول علي بعض المال، فقد ترك والدته تتألم من مرضها وجوعها الشديدين وأخذت الافكار والمشاعر تنازعه أأترك والدتي للموت أو أحاول إنقاذها بسؤال بعض المال؟ ولكن كيف أتسول؟! صراع بين حياء ينتفض منه وبين ألم يعتصره من أجل أعز من لديه أمه!!
وبينما الصبي يصارع أفكاره لمحه أحدهم ممن يبدو عليهم الثراء والعظمة، وهو مرتبك متحير فتوجه اليه مباشرة وبادره بكل لطف ورقة وكرم أخلاق وسأله عن سر القلق البادي عليه، فأجابه الصبي متردداً: أعتقد ياسيدي أنك إنسان غني مما يبدو عليك من ثياب فاخرة، وأنا لم أعتد طوال حياتي أن أشكو أموري الي إنسان بل دائما نشكر الله علي كل ما يمر ينا لكنني متألم جداً ولا أعرف ما يمكنني عمله، فقد مات والدي حديثاً ولم يترك لنا شيئاً يسد به حاجتنا فأصبحت أمي هي التي تعمل ونحصل بالكاد علي ما نحتاجه من طعام وشراب ضروريين لإبقائنا علي قيد الحياة! والآن هي مريضة جداً لا تستطيع مغادرة الفراش ولا يوجد لدي طعام أو دواء يمكنني أن أقدمها إليها.
تأثر الرجل الغني جداً من قصة الصبي وربت علي كتفه مبتسماً له وهو يحاول إخفاء دمعة تسللت من عينيه وسأله أن يرشده الي بيته. أضاء وجه الصبي بمسحة أمل وهو يسير جنبا إلي الرجل متجهين إلي المنزل. إلا أنهما توقفا عن السير أمام أحد المحال ودخلاه وطلب الي الرجل الغني بعض الأطعمة ودفع ثمنها وطلب إرسالها علي العنوان الغلام الذي كانت تجتاحه في تلك الأثناء مشاعر الذهول والفرح مما يحدث وعندما وصلا الي المنزل تحدث الرجل النبيل مع السيدة المريضة التي رق قلبه بها ثم اعتذر لها قائلاً: عذراً فأنا لست الطبيب الذي يستطيع علاج مرضك لكنني سأكتب لك إحدي الوصفات الفعالة والمفيدة لحالتك فكتب ورقة وتركها للسيدة وغادر المنزل نظرت السيدة الي الورقة بعد خروجه فوجدتها شيكاً بمبلغ كبير! إلا أن دهشتها ازدادت جداً حين وجدت أن التوقيع علي الشيك كان يحمل اسم »جورج واشنطن« رئيس أمريكا!!!
إن العظماء علي مر الازمان خطوا سطور عظمتهم بأعمالهم النبيلة النابعة من نبل وكرم داخلهم فلم ينتظروا دعوة أحد لكي يتخذوا موقفهم المحفورة في ذاكرة التاريخ ويحضرني موقف لعائلة هاجرت واستقرت في أحد بلاد المهجر مرت بها أحوال صعبة لدي بداية إقامتها حتي إن أفرادها أحيانا لم يكن لديهم الا القليل من الطعام الذي قد لا يكفي غدهم ولكن إنسانا كريم الخلق مندفعاً في عمل الخير بكل طاقته كان يداوم علي زيارتهم وكل مرة يطلب طعاماً أو شراباً ويقوم بنفسه بإعداده حتي يتسني له ادراك أحوال الاسرة ثم يشتري باقي حاجاتهم الغذائية دون أن يطلبوا.
ما أعظم النفوس التي لا تثبت النظر علي ذواتها! وإنما تخرج من دائرة الذات لتسعد قلوب من حولها بما يمكنها أن تقدمه اليها من خير.
إنها دعوة لأن نهتم بمن حولنا: أسرتنا وأقربائنا وجيراننا، وزملائنا،ومعارفنا،بل كل إنسان، فنسعي أن نقدم إليهم كلمة طيبة أو تشجيعاً أو مساعدة في عمل ما أو أي خير مهما كانت طبيعته وها نحن تفصلنا ساعات عن العام الجديد لنبدأه ونملأه بالكرم تجاه الجميع وكل عام وجميعنا بخير وبلادنا مصر في عز وسلام و…..للحديث بقية
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ