تحدثنا في المقالة السابقة عن أهمية تدريب الإنسان من الصِّغر علي وضع أهداف تَحفِزه ويسعي لتحقيقها؛ فما يٌبني في صغر الإنسان يصبح جزءًا متأصلًا من أسلوب حياته. أيضًا يجب أن تكون الأهداف ملائمة لإمكانات الشخص. وهنا تحضرني قصة عن «أوسكار شتراوس»، كان يعمل خياطًا، وسمِع عن هجرة كثير من الرجال إلي كاليفورنيا للعمل في اكتشاف الذهب في 1850م. فقرر السفر إلي هناك حالِمًا بالثراء من اكتشاف الذهب. ولٰكن الفشل كان حليفه فلم يستطِع الوصول إلي اكتشاف شيء، وساءت أحواله إلي درجة كبيرة حتي إنه لم يجد ما يسُد به جوعه.
وفجأة قام بتمزيق خَيمته وصنع منها بنطالونات وأطلق عليها اسم «شتراوس چينز»؛ وكانت بنطالونات زرقاء اللون شديدة المتانة، ملائمة للعمل في المناجم لمتانتها العالية؛ ما جعل عمال المناجم يُقبلون علي شرائها. ونجح «شتراوس» في أن يكون أغني ممن اشتغل بالتنقيب في
كاليفورنيا!! وهٰكذا انتشرت البنطالونات «الچينز» في العالم. لقد حوّل «شتراوس» الفشل إلي نجاح عندما استخدم إمكاناته بالأسلوب الصحيح.
ولذٰلك تُعد الخَطوة التالية لوضع الأهداف أن توضع هٰذه الأهداف في إطار «خُطة قابلة للتنفيذ». وضع خُطة عمل قيل: «الأهداف هي أحلام نحوّلها إلي خُطط وخَُطوات عملية لتحقيقها». نعم، فالهدف الموضوع إن لم يعقبه وضع خُطة كبيرة تحتوي علي خَُطوات يقوم بها الإنسان لتحقيقه، أصبح حُلمًا سجين خياله. لذا الخَطوة التالية لوضع أهداف هو تحديد أسلوب تحقيقها. لذا: حدِّد هدفك وتحقق من وضوحه في ذهنك والأساليب الممكنة للوصول لهٰذا الهدف وقارِن بين ما لديك من إمكانات وبين طريقة الوصول للهدف؛ لاختيار ما يلائمك ولضمان أكبر قدر من النجاح وحدِّد الأزمنة التي تحتاجها لتنفيذ هٰذه الخَطوات. ثم ابدأ العمل بجَد وأمانة واجتهاد.
• قيِّم خُطتك والخُطوات التي اتُّخذت من مدة إلي أخري لتُدرِك ما قد أُنجز، وما قد تعثر، وما المطلوب إنجازه في الخَطوات التالية؛ ثم قُم بتعديل خُطتك. وهٰذا التقييم يجب أن يكون علي مُدد متقاربة حتي لا تفقد الوقت والجُهد دون الوصول إلي هدفك. فعلي سبيل المثال، كان «شتراوس» يهدُف إلي أن يكون رجلًا غنيًّا، وسعي لتحقيق هٰذا من خلال التنقيب عن الذهب في كاليفورنيا؛ واضعًا أمامه نماذج ممن نجحوا في هٰذا المجال. إلا أن الفشل أصابه؛ إذ لم يضع «شتراوس» أمام عينيه إمكاناته ومواهبه التي يمكن استخدامها لهٰذا. وحين فشِل بدأ يفكر ويبحث عن شيء يُجيده، وقد كان يعمل بالخياطة، فقام بعمل بنطالونات من قماش خَيمته الأزرق يحتمل العمل الشاق به، وكانت البيئة ملائمة لهٰذا فحقق نجاحًا كبيرًا فاق جميع من نقبوا عن الذهب.
لذا فإن التقييم المستمر لما تم تحقيقه يُعد من أهم عوامل النجاح؛ فمن خلاله يكتشف الإنسان ما تم تحقيقه علي أرض الواقع، وما يحتاج إلي تعديل، وما لم يُنجز بعد. وهٰكذا يكون هناك تحرك حقيقيّ للإنسان في طريق الحياة. وينبغي أن أؤكد أهمية أن يكون التقييم مراعيًا لعامل الزمن الموضوع في إطار تنفيذ هٰذه الخُطة.
إن السير في الحياة دون خُطة أو نظام هو أشبه بالتِّيه في أثناء محاولتك للوصول إلي وُِجهتك الأساسية؛ فالخُطة هي وسيلة لتركيز كل ما لديك من إمكانات في اتجاه واحد نحو الهدف دون تشتت. والأهم ذٰلك الحافز الذي يحصُل عليه الفرد عندما يُقيِّم ما تم من أعمال، ويجد أمامه ثمار جَِده وكَدّه. وللحديث بقية…