No Result
View All Result
أود أن أهنئ إخوتنا المسلمين في “مِصر”، والشرق الأوسط، والعالم بأسره، بعيد الأضحى. ونصلي من أجل “مِصر” وأمنها وسلامها وحِفظها من كل شر.
تحدثنا في المقالة السابقة عن فساد الأرض أمام الله بسبب ظلم الإنسان، وأن الفساد كان شديدًا حتى إن الله أرسل الطوفان ليمحو كل كائن حي على وجه الأرض إلا نوح وبنيه، وعن اهتمام الأديان بمراعاة العدل بين البشر لأن الظلم مكروه أمام الله ويحول الإنسان إلى شخص عُدوانيّ سلبيّ وهو ما يكبل المجتمع بالانهيار والدمار.
ثم تحدثنا عن بعض أنواع من الفساد مثل فساد الجسد أو اضطراب بعض خلاياه، والفساد الروحيّ الذي هو ابتعاد الإنسان عن الخير والصلاح ولا سبيل لعلاجه إلا بالتوبة. واليوم نستكمل أنواعـًا أخرى من الفساد..
الفساد الأخلاقيّ
كثيرًا ما يربِط الذهن البشريّ كلمة “فساد” بالأخلاق أكثر من ارتباطها بفساد آخر. وربما يكون هٰذا الارتباط راجعـًا إلى التعاليم الدينية التي دائمـًا ما تهتم بسلوك الإنسان وأخلاقياته وزرع قيم: المحبة، والرحمة، والعدل، والصدق، والأمانة، والإخلاص في نفوس البشر. فنجد أن الديانات والفلسفات والعبادات ركزت في قيمة الأخلاق عند الإنسان.
فقد كتب “موسى” “التوراة” وبها الوصايا العشْر التي وضعت السلوك الأخلاقيّ للإنسان فشمَِلت الوصايا الأساسية من إكرام الأب والأم، وعدم القتل أو الزنا أو السرقة، وألا يُشتهى ممتلكات إنسان إذ في الاشتهاء يكمن الحسد والضغينة اللذان يؤديان بالإنسان إلى سلك دُروب الشر. وفي المَسيحية، نجد الوصايا التي تحُث على: الوداعة، وصنع السلام، وعدم الغضب باطلـًا على الآخرين، والمحبة، والصدقة، وغيرها. وفي الإسلام: “البِّرُّ حُسْنُ الخُلُقِ”، وفي الحديث: “إِنَّ مِنْ خِيارِكُمْ أَحْسَنُكُمْ أَخْلَاقـًا”، وأيضـًا:“مَا مِنْ شَيءٍ أَثْقَلَ فِي مِيزَانِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ، وَإِنَّ اللهَ يُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ”.
وبذٰلك أصبح “الفساد الأخلاقيّ” يعني اتصاف إنسان بصفات غير مرغوب فيها مثل: الظلم، والقتل، والكذب، والخيانة، والتزوير، والسرقة، وعدم الرحمة، وعدم المحبة التي تؤدي إلى انتهاك حقوق الناس وأملاكهم وأعراضهم.
وعلى الأسرة دَور كبير في مساعدة النشء في عدم بلوغ هٰذا الفساد إليهم من خلال القدوة الصالحة الجيدة. كذٰلك لا يمكننا إنكار دَور المؤسسات التعليمية والإعلام الذي يقدَّم إلى الأطفال والشباب، إضافة إلى الدور الكبير الذي تساهم به المؤسسات الدينية في المجتمعات. وعلى الإنسان أن يلحظ ذاته ويقيِّمها، ويستمع إلى ملاحظات الأمناء والمخلصين من الأصدقاء والأقرباء ويسمع لهم عندما يُسدون إليه النصيحة الجيدة الخالصة، وأن يتذكر أن المعاشرات الرديئة تُفسد الأخلاق الجيدة، فأصدقاء السوء هم أسرع السبل إلى حَيَدان الإنسان عن الخير.
ومن المعادلات اللطيفة التي سمعتُها ما كتبه “الخوارزميّ” عن الأخلاق، فقال:
إذا كان الإنسان على خُلق، فهو = ١
وإذا كان يملِك الجمال، فضَعْ إلى يمين الواحد صفرًا فيساوي ١٠
وإذا كان لديه المال، فضَعْ صفرًا آخر إلى اليمين فيساوي ١٠٠
وإذا كان من أصل كريم، فضَعْ صفرًا ثالثـًا ليصبح ١٠٠٠
فإن ذهبت الأخلاق، ذهب معها “الواحد الصحيح”، وأصبحت قيمة الإنسان تساوي مجموعة من الأصفار!!!
ويعتقد كثير من المفكرين أن الفساد الأخلاقيّ يكمن وراء كثير من الفساد أو الأزمات المتعددة التي تمر بالمجتمعات سواء كان الفساد مجتمعيـًّا، أو سياسيـًّا، أو اقتصاديـًّا، أو غيرها. وهنا أتذكر كلمات الكاتب الكبير الراحل “أحمد رجب”: “كل أزمة في حياتنا: سياسية، اجتماعية، تموينية، بوتجاز، بنزين؛ سببها الأصليّ أزمتنا الأخلاقية”.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأرثوذكسيّ
No Result
View All Result