No Result
View All Result
تحدثنا في المقالة السابقة بأهمية قَبول الإنسان واستماعه إلي النقد الذي يتعرض له، مهما اختلفت أهداف قائله؛ فربما يريد مقدِّمه هدمك ولٰكنك باحتمالك وإصرارك تستطيع تحويل الهدم إلي بناء. والعكس صحيح، فربما يريد قائله فائدتك، وبرفضك إياه تسبب الضرر لنفسك. وكما يقول المثل: «إنْ ترك الله إنسانــًا، سلَّط عليه عقله.»! فالشخص الذي لا يرضي أن يعيش إلا وَفق فكره الخاص، دون الاستماع إلي كلمات أو تعليقات أو نقد مِن حوله، يتعثر حتمـًا في الطريق أو ربما يَضله.
والإنسان الذي يتقبل النقد بصدر رَحْب، هو شخص واسع الأفق، لديه الرؤية والحكمة اللتان تساعدانه علي إدراك المعاني والفوائد من بين ثنايا الكلمات التي يستمع إليها، سواء بالنقد كانت أو بالنصيحة. لهٰذا يقولون: «لا يتقبل النقد إلا الشخص الذي لديه آفاق واسعة.». ولكي يستطيع الإنسان تقبل النقد والاستفادة منه، يجب أن يفصل النقد عن شخص قائله، وعن مشاعره الشخصية تجاه موضوع النقد؛ فمن المؤسف أن يرفض الإنسان كلمات تقال له لأنه يرفض قائلها، إذ هٰذا هو أول الطريق إلي التيه والسقوط. لذٰلك، درِّب نفسك علي أن تستمع إلي كل ما يقال لك أو لغيرك، وافصل الكلمات عن قائلها لتتمكن من جني الفائدة المرجوة منها في طريق حياتك. أنواع النقد.. نشير هنا إلي أنواع النقد، لا لتجاهل بعضها، وإنما لمعرفة كيفية استفادة الإنسان من كل نوع نقد يتعرض له: النقد الموضوعيّ.. وهو نقد يهتم بالموضوع محل النقاش أو السلوك أو المبادرة، لا بشخص معين أو أشخاص بعينهم، ويهدُف إلي توضيح الميزات والعيوب بمصداقية، بهدف التعديل وتطوير العمل نفسه، أو القائمين عليه. والنقد البنّاء يشارك في إيجاد حلول لما يراه من عُيوب، في محاولة جِدية للبناء؛ وهٰذا النقد لا يكون مبنيـًّا علي أهواء أو انطباعات شخصية لئلا يكون متأثرًا بعوامل خارجة عنه فيميل عن الحَيدة يمينـًا أو يسارًا. ومع هٰذا النوع من النقد، كُن إيجابيـًّا إلي أبعد الحدود الممكنة، إذ قليلون هم الذين يحملون في داخلهم قلبـًا شجاعـًا يستطيعون به التغلب علي أنفسهم، وربما مشاعرهم الخاصة، في الحكم علي الأمور. وهنا أتذكر إحدي القِصص التي قرأتُها، عن أحد الأغنياء الصالحين العادلين: كان رجلا يعيش، منذ زمن بعيد، يفعل الخير أينما سار ومع من يلقاه. وفي إحدي رِحلاته، التقي تاجرًا للعبيد كان يعرض بعضهم للبيع. وبينما التاجر ينادي علي بضاعته، إذ يري هٰذا الغنيّ الحزن يملأ قلوب أولٰئك العبيد، فشعر بالألم وتأسف في قلبه من أجل قساوة بعض البشر، وقرر شراءهم علي الفور. وما أن دفع الثمن حتي أطلقهم أحرارًا. وكانت شابة جميلة من الذين تحرروا قد أعجب بها ابن الرجل الغنيّ، فسأل أباه الزواج بها؛ فسألها الأب، هل تقبل أن تتزوج بابنه الشاب بعد أن صارت حرة، فلم تستطع الفتاة إلا القَبول حفظـًا لجميل الأب معها. ثم بدأ الإعداد لاحتفالات الزِّفاف. وفي تلك الأثناء، لاحظ الغنيّ الكريم حَُزَْن أحد الشبان الذين حررهم، فسأله عن السبب، فأجابه أنه يحب تلك الفتاة، وأنهما تعاهدا علي الزواج، ولٰكنهما لا يستطيعان مقابلة كرمه بكسر قلب ابنه! فما كان من الرجل إلا أن أحضر ابنه وقص عليه الموضوع، فرد الابن بأنه لا يرضي أن يبني سعادته علي حَُزَْن إنسان آخر؛ واتفق هو ووالده علي أن يكون تجهيز الزواج من أجل الفتي والفتاة! ربما لا نري في القصة إلا أنها حكاية مرت بآخرين وانتهت، وأنه لم تعُد مثل تلك النماذج من البشر الذين لا يعرفون إلا الخير والعدل. لٰكن، حقيقة الأمر، ما زالت هناك قلوب تمتلئ بالصدق والأمانة والرحمة والعدل في كل عمل تفعله، لأنها تضع محبة الله وعدله نصب عيونها، و … وللمقالة بقية
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأرثوذكسيّ
No Result
View All Result