تحدثنا في المقالة السابقة عن المستقبل وأنه مسؤوليتنا وأن علينا التخطيط له؛ ولكي نحقق فيه ما نبغيه من أحلام يجب أن ندرك دورنا نحو البناء. فإن كان المستقبل يحتاج إلى رؤية وتخطيط وتنظيم، فهو يتطلب أيضـًا عملـًا وجهادًا وصبرًا؛ وهذه جميعها تستدعي صفتين، لا غنى عنهما لتحقيق ما نسعى له في الحياة: المحبة، والاحتمال.
يقولون: “يمكن أن يعمل الإنسان 8 ساعات يوميـًّا من أجل الراتب، و10 ساعات من أجل المدير الجيد، و24 ساعة من أجل فكرة يؤمن بها.”، وأضيف هنا: “ويحبها”. نعم، فلا يمكننا أن ننكر أن هناك أتعابـًا لا يَعُدها الإنسان أحمالـًا لأنه يمتلك طاقة كبيرة من الحب تجاهها، وأخرى بسيطة لا يستطيع تحملها لأنها لا تجد لديه الاهتمام الكامل. لذا، إذا أردتَ الاستمرار في طريق، يجب أن تملِك طاقة كبيرة من الحب لما تسعى له. لذلك يقولون: “أحبب ما تعمل”؛ لأنك حين تحب ما تعمل، يمكنك لا أن تنجزه فقط بل أن تصل إلى تحقيق ما لا تحلُم به! فإن لم تكُن بعد تحبه، فقد حان الوقت لتتعلّم كيف أن تحبه.
إن المحبة هي الباب المفتاح السحريّ إلى كثير من الأمور في الحياة. وببساطة شديدة، الإنسان يحب كل ما يحقق له التميز الذي يشعر بوجوده وكِيانه ويمكّنه من تقديم الإبداعات. فحين يخطو الإنسان خَُطواته الأولى في الحياة، فإنه يبحث عن تكوين كِيان ناجح له يسعد به؛ ومن أجله يحب ما يفعل فيبذُِل مزيدًا ومزيدًا، ويحقق ما هو أكثر تميزًا في الحياة. وحتى يصل إلى التميز، يحتاج إلى العمل الجاد في ذلك المجال، مع الإصرار والصبر، فيتحقق النجاح الذي يَزيد من طاقة المحبة داخله نحو ما يعمل وما يقدم فيبذُِل بالأكثر. إنها دائرة من العمل والتعثر والمحاولات العديدة ليصل الشخص بالصبر والعزيمة إلى النجاح؛ فيشعر بالرضا والمحبة والارتياح ليقدم مزيدًا متزايدًا. إنها دائرة لا تنتهي من التواصل بين حب ما نعمل والنجاح فيه.
والمحبة بدورها حين تتولد، تملأ الإنسان بالطاقة التي ترفع من قوة احتماله. فالإنسان يحتمل كثيرًا من المتاعب والضغوط من أجل من يحبه، ومن أجل الأشياء التي يرغب في تحقيقها. إلا أن ما يهوّن عليه الأمر، هو ما يملِكه من محبة لما يؤديه. وهكذا تعمل المحبة على رفع الإنسان في أوقات تعثره. ويزداد احتمال الإنسان بتدربه على تحمل الصُّعوبات وعدم الهروب منها؛ فعلى سبيل المثال: حين يهرَُب الطالب من الامتحان بالغش، فهو يخسَِر استخدام قدراته الذهنية والجسدية التي يحتاجها في أثناء المذاكرة. وهكذا في جميع مجالات الحياة. فالأحمال التي ننجح في تحملها وعبورها، تصل بنا إلى مستويات أعلى من التحمل حتى نصل إلى تحقيق المعجزات!
إن الحب والاحتمال صفتان لا يتسنى لنا أن نبني المستقبل من دونهما؛ سواء على مستوى حياة الإنسان الشخصية والأسرية، أو على مستوى الشعوب والأوطان. وهنا أود أن أؤكد أن بناء مِصر التي نحلُم بها لن يتأتى ويتحقق بالآمال والأحلام، بل بالحب والاحتمال والعمل المستمر. فإن كان المؤتمر الاقتصاديّ قد حقق نجاحات باهرة، لكننا ما زلنا نحتاج إلى: قلوب هذا الشعب التي تحب الوطن، وسواعده العاملة، واحتماله؛ من أجل أن نسير معـًا في طريق المستقبل الذي نحلُم بتحقيقه لنا ولأبنائنا وللأجيال القادمة. “إذا كنتَ تخطط لعام واحد، فازرع الأرز. وإذا كنتَ تخطط لعشرين عامـًا، فازرع شجرًا. وإذا كنت تخطط لمئة عام، فعلّم الناس.”؛ فلنتعلم معـًا بناء مستقبلنا ومستقبل وطننا.