No Result
View All Result
أهنئكم بعيد الميلاد الذي يحتفل به مَسيحيُّو الشرق، فكل عام وجميعكم بخير. ومع حُلول “عيد الميلاد”، تتردد أصداء تلك الكلمات التي سبَّحت بها الملائكة: “المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة.” فالميلاد قدَّم عددًا من الرسائل إلى البشر؛ ولعل أهمها “رسالة السلام” تلك التي رنمتها الملائكة، معلنين حُلول السلام على الأرض بـ”ميلاد السيد المسيح”. فالعالم، الذي يئن اليوم تحت وطأة الاضطرابات والتشويش وفقدان النفس الإنسانية إلى الهُدوء والأمان والسلام، جعل رحلة البشر في الحياة تزداد صعوبة وألمـًا؛ لهٰذا نطلب إلى الله أن يحفظ هُدوء مِصر وسلامها، و”الشرق الأوسط”، والعالم بأسره.
ومع احتفالات الميلاد، أصبح السلام الذي وُهب إلى البشر من الله هو رسالة يسعى نحوها البشر، إذ فقدان السلام في حياة الإنسان يُعد من أهم المشكلات التي تعترض مسيرة تلك الحياة. إن الإنسان الذي فقد سلامه، تجده يخطو نحو المستقبل بتردد وارتياب، كما أن قدرته على العمل تتأثر بشدة لشعوره الدائم بأن هناك شيئـًا ما في الحياة يدفعه إلى الخوف والجزع والتراجع.
والسلام هو هبة من الله ـ تبارك اسمه ـ مصدر كل سلام، ويتسم بأنه ثابت، لأن مصدره هو الله الدائم غير المتغير؛ فلا يتأثر بالمتغيرات التي تعترض حياة الإنسان. قد تستمر المشكلات التي تعترض البشر في العالم، لٰكن الإنسان الذي يثق بالله لا يتزعزع سلامه أبدًا؛ فهو يؤْمن بأنه في يد أمينة ترعاه وتحفظه. بل إنه كلما ازدادت المشكلات، ازداد مثل هٰذا الشخص تمسكـًا بالله؛ فتعبُر عليه كرياح تهدأ بعد قليل ليمتلئ هو بمزيد من الثقة!
ومن يعرف قوة ذٰلك السلام الحقيقيّ في أعماقه ويعيشها، فإنه يسعى لنشره بينه وبين الآخرين؛ وهٰكذا ينتشر بين الجميع. وقد جاء السيد المسيح ليقدِّم للإنسان السلام؛ وكانت رسالته ممتلئة بالسلام والمحبة نحو الجميع؛ فقال في موعظته على الجبل: “طوبى لصانعي السلام، لأنهم أبناء الله يُدعَون.”. فإن كان الله هو واهب السلام وصانعه على الأرض، فكل من يسلك في هٰذا الطريق يسير على النهج الذي يقدِّمه الله، وهو ما يَزيد من مسؤولية رسالته نحو الجميع.
وصُنع السلام هو صفة من صفات الإنسان الذي يكون قلبه ممتلئـًا بالمحبة نحو الجميع، وأيضـًا يعيش حياته في حياة الصلاح والوداعة؛ فكما يذكر الكتاب: “أمّا الوُدعاء فيرثون الأرض، ويتلذذون في كَِثرة السلامة”. وهٰكذا تمتلئ حياة مثل هؤلاء البشر بالسلام الداخليّ الذي يُشع في حياتهم ليضيء ويملأ حياة من يمر بهم في رحلة العمر، فينتشر السلام في الأرض. وعلى النقيض من ذٰلك، فإن الأشرار لا يحصلون على السلام في حياتهم جراء أعمالهم الشريرة، فيكونون في اضطراب دائم ويملؤون الكَون من حولهم صخبـًا وأنينـًا.
أيضـًا تجد الإنسان الذي عرَف معنى السلام واختبره في حياته إنسانـًا عادلاً فيقول: “ويكون صُنع العدل سلامًا، وعملُ العدل سُكونًا وطُمأنينة إلى الأبد.”. ويحمل إلينا التاريخ عديدًا من النماذج التي كان عدلها هو سر السلام والأمان اللذين اتسمت بهما حياتهم؛ فالعدل والسلام صفتان متلازمتان، والمكان الذي يملؤه العدل يُرفرف عليه السلام ويحِل فيه.
لقد كان الميلاد رسالة سلام إلى كل من عرَف الخير مثل الرعاة وحكماء المجوس، في حين رفض تلك الرسالة كل من سعى في الشر مثل “هِيرودُس” الملك الذي أراد قتل “السيد المسيح”، وأيضـًا الكتبة والفريسيِّين الذين ابتعدت حياتهم عن الخير والصلاح.
فلتكُن رسالتنا في هٰذا العيد هي رسالة سلام إلى الجميع: “اتْبَعوا السلام مع الجميع …”.
أهنئكم جميعـًا بالعام الجديد و”عيد الميلاد المجيد”، وكل عام وجميعكم بخير.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ
No Result
View All Result