No Result
View All Result
تحدثنا في المقالة السابقة عن ذكرى دُخول “العائلة المقدسة” إلى أرض “مِصر”، في رحلة بدأت من “بيت لحم”، وامتدت عبر الأراضي المِصرية حتى “جبل قُسقام” حيث الآن “دير المُحَرَّق”. وقد قضَّت “العائلة المقدسة” في “مِصر” قُرابة ثلاث السنوات ونصف السنة. واليوم نستكمل الحديث.
في رحلة “العائلة المقدسة”، نجد بعض الأمور التي تُعد دُروسًا ومبادئ في الحياة منها:
الخير والشر
عندما قدِمت “العائلة المقدسة” إلى “مِصر”، استقبلها بعض الناس بالتَّرحاب، مقدِّمين لها العطايا والخير بكرم بالغ، وبعضهم كانوا حماية لها من الساعين خلفها من قِبل الملك والحاكم في “مِصر” لإلقاء القبض عليها، في الوقت الذي كان هناك من أساء معاملتها حتى إنها تركت تلك الأماكن سريعًا! وكان من نتاج الخير: أنْ باركت “العائلة المقدسة” أماكن مرورها والأهالي التي تقطُن فيها، تاركةً كثيرًا من الآثار العظيمة مثل “شجرة مريم”، وينابيع المياه. إن الله لا ينسى ولا يُهمل كل عمل خير يقدَّم في الحياة، بل يجازي عنه ببركات عظيمة إذ هو الله صانع الخيرات. وهٰكذا يحمل كل إنسان تَبِعات أعماله من خير أو شر، فالله كليّ العدل، ولٰكنه ـ جل شأنه ـ طويل الأناة على الجميع، واهبًا الفرصة من أجل صنع الخير.
ومن الخير الذي خصَّه الله بـ”مِصر” أن تتعدد المناسبات الروحية فيها: فقبل أيام قليلة بدأ المسلمون “صَوم رمضان”، وبعد أيام قلائل يبدأ المسيحيون “صَوم الرسل”، وهٰكذا يشترك الشعب الواحد في الصَّوم، وترتفع الصلوات والابتهالات من كل بقعة من أرض “مِصر”، متجهة قلوب المِصريِّين جميعًا نحو الله. لذٰلك أتقدم بالتهنئة القلبية إلى الشعب المِصريّ كافةً ببَدء أيام الصوم والصلاة، وليتقبَّل الله الصلوات والابتهالات، وليحفظ “مِصر” شامخة ويقينًا من كل شر.
الخير والصوم
يرتبط الخير في حياة الإنسان بالممارسات الروحية التي يدرب بها الإنسان نفسه على الحياة في تقوًى وورع مع الله؛ ومن أهم تلك الممارسات “الصَّوم” و”الصلاة”.
فتُعد مدة الصَّوم من أهم الأوقات التي يتدرب فيها الإنسان على اكتساب كثير من الفضائل التي يود اقتناءها في حياته، كذٰلك فإنها تساعده على النمُو بأفكاره ومشاعره وسُلوكه إيجابيًّا نحو كل إنسان إذ يكون أكثر شعورًا بالآخرين. إن الإنسان حين يصوم إنما يدرب نفسه على الاحتمال، والصبر، ويختبر بعض مشاعر الاحتياج مثل الجوع والعطش، ومن خلال تلك الخبرات تسري في أعماقه مشاعر تعاطف نحو كل نفس في عَوَز واحتياج. وهٰكذا، يصير الصوم دربًا يقود من يتخده سبيلًا إلى الشعور بالرحمة والعطف على المحتاجين والضعفاء.
وليس المقصود الاحتياج الماديّ فقط بل أنواع الاحتياج كافةً: الجسدية والنفسية والروحية. فذٰلك الإنسان الذي يدرب نفسه بالصوم على أن يملِك قلبًا يمتلئ الرحمة، تجده يشعر بآلام كل نفس وحاجاتها دون أن تطلب، ولا يدّخر جُهدًا في تقديم المساعدة، مدركًا أيضًا مدى شقاء النفس في الأزمات فيسرع في مساندة الجميع بمحبة وعطاء؛ وهٰكذا يسري الخير ويُومِض كشعاع ضوء في ظلمة دُروب الحياة.
كل عام وجميعكم بخير ومصر في أمن وسلام.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ
No Result
View All Result