No Result
View All Result
أيام قليلة ويبدأ العام الجديد، ومعه يمضي عام بكل آلامه وأفراحه، ليأتي آخر جديد، آملين أن يحمل الخير، ولنبدأ مسيرة جديدة في الحياة. وعلى مدار الأُسبوعين السابقين، تحدثنا عن “الاستعداد” الذي من النافع أن يتحلى به البشر في الحياة، فيخطون نحو النجاح وتقديم رسالة حقيقية في حياتهم. فقدَّمنا أهمية استعداد الإنسان لعبور صعاب الحياة ومشكلاتها، والاستعداد لأن يكون إنسانـًا متميزًا: في العمل، وفي البناء، وفي العطاء. أيضـًا أن يكون مرنـًا بالتحمل والتكيف مع متغيرات ظروف الحياة والأحداث المتنوعة التي تمر به. وهناك أيضـًا احتمال الاختلاف مع الآخرين دون فقدان المحبة والإنسانية. ونستكمل اليوم استعدادات أخرى في العام الجديد.
أحد مبادئ الحياة المهمة التي يجب أن يكون الإنسان مستعدًّا بها هو “التعلم” أو ما يسمى بحياة “التلمذة”. يقول الفيلسوف اليونانيّ “سقراط”: “الناس يعتقدون أنهم يعرفون شيئـًا، وهم في الواقع لا يعرفون أيّ شيء! أمّا أنا، فإني أعرِف شيئـًا: وهو أنني لا أعرِف شيئـًا على الإطلاق.”!!لذٰلك، كُن مستعدًّا دائمـًا للتعلم، وإدراك الأمور بحس إنسانيّ راقٍ؛ فكما يقولون: “لا جديد في الدنيا، لٰكنّ هناك كثيرًا من الأشياء القديمة التي لا نعرِفها.”، وهٰكذا يجب علينا تعلمها. فكُن على استعداد لاتخاذ مرتبة “التلمذة” وحينئذ ستتعلم وتُدرك مع كل يوم شيئـًا جديدًا لم تكُن تعرفه، فتبْني في مسيرة رحلة الحياة المعرفة الحقيقية والخبرة الواعية. ودون أن تقصِد، تنعكس هٰذه المعرفة في كلماتك وآرائك ومعاملاتك في الحياة، لتجد الآخرين يضعونك في مكانة المعلم والمرشد؛ إذ حينئذ تكون لهم مثالاً وقُِدوة لا ناصحـًا بالكلمات فقط. إن البشر يتعلمون من الأعمال، ويمكنك أن تقدِّم إليهم خبرات الحياة المعاشة والمحبة الحقيقية، فينجذبون إلى المصداقية التي رأَوها في شخصك، ويشعرون باحتياجهم إلى التحدث إليك، وقيمة ما تقدِّمه إليهم من نصح وإرشاد.
أمر آخر مهم، أضعه أمامك عزيزي القارئ مع بداية العام الجديد: أن تكون مستعدًّا لتحمل مسؤولية الحياة، ومسؤولية أعمالك فيها؛ فالحياة بذاتها تحمل رسالة عليك أن تُتممها بنجاح؛ وفي أثناء ذٰلك، لا تحاول إلقاء اللوم على الآخرين، فجميع ما تقوم به من أفعال هي باختيارك أنت، حتى إن قررت تسليم قيادة حياتك للآخرين، فإنه ما يزال قرارك، وأنت وحدك من سيتحمل نتيجته.
أيضـًا عليك أن تُدرك أن لك دورًا ورسالة في الحياة كبُرت أو صغُرت، إلا أنك مطالب بإتمامها لا الهرب منها. وهٰذه الرسالة هي نحو نفسك ومع الآخرين، وعليك الاستعداد للمحاسبة عن كل ما تؤديه من أعمال، ليس أمام الناس فقط بل أمام الله ـ تبارك اسمه ـ الذي يعلم خفيات القلوب. وإن كان الإنسان يستطيع تقديم الأعذار إلى البشر، فلن يمكنه تقديم أعذار أو أسباب واهية لله عن كل ما صنعه خيرًا أو شرًا، وأيضـًا عن الخير الذي كان يمكنه أن يقدمه ولم يفعل. وهنا أتذكر كلمات تلك العبارة التي ترددت على مسامع أحد الرجال الصالحين، الذي كان يدعو الله من أجل الفقراء والمساكين قائلاً: “أرجوك، يا الله، أن تفعل شيئـًا لهؤلاء البشر التعساء! وفي الليل، وهو يستعد لنومه، إذا أصداء صوت تتردد داخله: إني قد فعلتُ شيئـًا: لقد صنعتُك أنت”!
وهٰكذا، في العام الجديد، ابحث عن ذٰلك الشيء الذي ينقصك، ويجب أن تكون مستعدًّا له ليكون هدفـًا لك تحاول إدراكه وتحقيقه بمعونة الله. كل عام وجميعكم بخير في بدايات عام جديد، وأطلب إلى الله أن يكون عام خير وسلام واطمئنان للجميع، وأن يعطي “الشرق الأوسط” والعالم السلام والهدوء، وأتمنى أن يكون عام عمل وإنتاج يحرك بقوة بلادنا الحبيبة “مِصر” نحو الرقيّ والازدهار.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُُرثوذكسيّ
No Result
View All Result