No Result
View All Result
تحدثنا في المقالة السابقة عن الإنسان الذي يحمل المشاعر الإنسانية الصادقة في حياته ويمنح الآخرين إياها، لتتدفق في قلب العالم من جديد وتُعيد إليه معنى الحياة والسعادة. وقد يظن بعضُ أن ما يمكن أن يقدمه هو ضئيل جدًّا لن يُجدي نفعًا أو يغير الأمور، ولكن ذلك القليل من الجائز جدًّا أن يكون بالنسبة إلى الآخرين بمنزلة الحياة بأسرها! ومن خبرات الحياة، نجد كلمات “الأم تريزا” ـ التي خدمت في أكثر مناطق العالم فقرًا ـ توضح لنا: “أن يكون الإنسان: مهملًا، غير مرغوب فيه، ينساه الذين حوله ويتجاهلونه؛ أعتقد أنه أعظم بكثير من الجوع!”. وكما تكلمنا عن العمق في الفكر، وفي الاستماع، وفي المعاملات، وفي المشاعر، نتكلم عن عمق آخر يؤثر في حاضر الإنسان ومستقبله: العمق الروحيّ؛ فمن لا يختبر العمق في حياته الروحية لن يُدرك سر السعادة في الحياة.
والعمق الروحيّ أمر مهم في حياة الإنسان، إذ الشخص العميق روحيًّا دائمًا ما يهتم بنموه الروحيّ فنراه يتعمق في قراءاته التي تنمي معرفته وسُلوكه الخيّر: فنراه يقرأ، ويدرُس، وينشغل بالبحث عن المعرفة الحقيقية التي تكشف له سر الحياة الروحية العميقة مع الله بعيدًا عن السطحية. لذا العميق الروح نجده يسعى نحو فَهم المعاني الحقيقية من الوصايا والتعاليم، وفي الوقت نفسه لا تعتمد حياته على مجرد المعرفة الذهنية بل تدخل إلى أعماق أكبر تؤثر في سلوكه نحو الله ونحو نفسه ونحو الآخرين. مثل هذا المتعمق في روحياته يقدم إلى الله صلاته بعمق وصدق قلبيَّين، منفذًا وصاياه بفَهم وإدراك ومحبة له ـ تبارك اسمه ـ وللآخرين. وعلى سبيل المثال، عندما يطيع وصية مثل إعطاء الآخرين أو النجدة لمعونتهم في أمور حياتهم، نراه وقد قدم لهم بفرح وسعادة من أجل محبته لله التي تنبَُِع منها محبته نحو الجميع؛ فيمتلئ بالرحمة تجاههم إذ هم خليقة الله وشركاء إنسانيته.
كذلك الإنسان العميق روحيًّا يقوم بكل ما يُسند إليه من أعمال ومسؤوليات بأمانة، مؤمنًا أن الله هو من يأتمنه على عمله، وعلى أسرته، بل على أصدقائه وجيرانه؛ فيسعى من أجل خيرهم وسلامهم، ولا يتردد في مساعدة الجميع إذ يُدرك ويؤمن بدوره في الحياة نحو كل من يلتقيه في رحلة الحياة.
أمّا عن عميق الروح في حياته الشخصية، فنجده عميقًا ثابتًا أيضًا في أمور حياته، لا يهتز ولا تجرُفه التيارات والتعاليم الخادعة التي تحاول إبعاده عن الطريق الصحيح. وفي كل مجالات الحياة توجد السطحية التي تحاول أن تجرُف البشر نحو هلاك شديد. إن عمق الإنسان الروحيّ يجعله: خيّرًا، صالحًا، يبني أينما حل، صاحب رسالة سلام ممتدة إلى العالم.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ
No Result
View All Result