كثيرًا ما يعتقد البشر أنه كلما زاد حجم الأشياء أو قوتها، عظُم تأثيرها في البشر. لٰكننا نجد في الحياة أن التأثير القويّ قد يأتي من أفعال تبدو صغيرة لٰكنها تغيِّر مصائر بشر! يقولون: “إن قطرة ماء في بيت النمل تُعتبر بحرًا؛ فعِظم الأشياء ليس دائمـًا بحجمها بل بما تفعله من تأثير. وهٰكذا فإن التأثير هو ما يعطي الأشياء حجمها وليس العكس.”؛ فرُّب أمر تراه أنت ضئيلـًا لا يستحق، يكون عظيمـًا لدى الآخرين يُسعدهم، أو يُشقيهم!
وهٰكذا يحكي لنا تاريخ البشر. فعلى سبيل المثال: سقوط تفاحة من شجرة كشف لنا سر الجاذبية الأرضية. وفي الحياة الإنسانية، ربما مواقف بسيطة، أو كلمات قليلة صادقة، أو مجرد ابتسامة، تغير حياة إنسان وتقوده إلى النجاح بعد أن تبث فيه الأمل. ولذا قيل: “في هٰذه الحياة، إن كنا لا نقدر أن نعمل أشياء عظيمة, ولكن يمكننا أن نعمل أشياء صغيرة بمحبة عظيمة.”. وهٰذه هي مسؤولية كل إنسان في الحياة: أن يقدم ما يستطيعه بمحبة عظيمة وحينئذ ستتحقق المعجزات.
يقول أحدهم: “يعتقد بعض الناس أن القوة العظيمة فقط هي التي يمكنها التصدي للشر، ولٰكن ليس هٰذا ما وجدتُه. لقد وجدتُ أن الأفعال الصغيرة اليومية للناس العاديِّين هي التي تُبقي الظلام بعيدًا؛ الأفعال الصغيرة من الإحسان والمحبة!”. إنه دائمـًا ما يتردد في فكري قصة ذٰلك الصبي الذي قرر الانتحار بسبب ما اعتراه من يأس في الحياة، ولم يفعل لأنه وجد صبيـًّا آخر يسكن بالقرب منه يلتقيه ويبتسم له بمحبة خالصة فيضيء له ظلمة يأسه. وهٰكذا كلما قدَّمتَ عملـًا لإسعاد إنسان، ولو مجرد ابتسامة، فإنك تقدِّم عملـًا للمحبة وهديةً عظيمة إلى ذٰلك الشخص. وفي نظرة سريعة إلى حياة عظماء عاشوا في ذاكرة التاريخ، نجد أن مواقف بسيطة قُدِّمت بمحبة ودون انتظار مقابل صنعت منهم عظماء لا يُنسَون. وحين يسترجع الإنسان شريط أحداث الحياة، والمواقف التي مرت به، فإنه ربما لا يتذكر كثيرًا من الأيدي التي امتدت إليه لمصافحته في الحياة، ولٰكنه لا ينسى أبدًا تلك الأيدي التي أسرعت إلى معونته عندما تعثر في أحجار طريق الحياة. يقول أحدهم: “إن اليد التي تُنهضك عند تعثرك، أفضل من ألف يد تصافحك عند الوصول.”
التأثير في حياة الناس لا يحتاج إلى بذل المجهودات المضنية وإتيان الأعمال العظيمة أو الإنجازات الخارقة، بل إنه يولد من تلك الأعمال العادية التي تمس حياتهم. إن استماعك إلى إنسان متعب في لحظة فارقة في حياته يمكنه أن يغير مستقبله كله! تقول “الأم تريزا”، التي باهتمامها ومحبتها الصادقة ملكت محبة كثيرين: “عندما تكون مرفوضـًا، ومكروهـًا، ومهمَلـًا، ومنسيـًّا من الجميع، فإن هٰذا جوع أعظم وفقر أكبر من جوع أيّ إنسان ليس لديه ما يأكله.”
والإنسان الذي يستطيع أن يقوم بمثل هٰذه الأعمال التي تبدو عادية جدًّا وهي مؤثرة جدًّا، هو إنسان يملِك قلبـًا شفوقـًا يحنو على الجميع، لا جميع البشر وحدهم، بل تمتد أعماله الرحيمة المُحبة إلى الحيوانات! ومثل هٰذا الإنسان تجده يقدِّم إلى الجميع دون أن يطلبوا منه، فقد اعتاد أن يجول بقلب ممتلئ بالمحبة يقدمها إلى الكل، شاعرًا بأن هٰذا هو دوره في الحياة. عزيزي: لا تنتظر أن تقوم بأعمال عظيمة حتى تكون مؤثرًا في الآخرين، بل قدِّم ما لديك، مهما تعتقد أنه صغير، في بساطة وحب، وبذٰلك يتحول عملك هٰذا إلى أعظم الأعمال!!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأرثوذكسيّ