تحدثنا عن الطفلة “راشيل بيكويث”: التي وهي في التاسعة كان لديها حُلم عالميّ كبير بدأت بالفعل في تنفيذه! ومع أنها ماتت في حادث، فإن حُلمها لم يمُت معها بل تحقق وأُنقذت آلاف من البشر حين انهالت التبرعات من جميع أنحاء العالم بعد مماتها. ولم يكُن هٰذا هو عطاء “راشيل” الوحيد: فقد أنقذت حياة شخص آخر عندما نُقلت إحدى كُليتيها عقب وفاتها إلى رجل مصاب بالفشل الكُلويّ. وتمتلئ الحياة من تلك القصص التي نشاهدها يومًا بعد يوم؛ إلا أنني أريد التوقف أمام هٰذه المشاهد قليلاً.
لا يحتاج الخير والعطاء إلا إلى رغبة صادقة وجِدية بدء في التنفيذ بما يملِك الإنسان من إمكانات، حتى إن كانت واهية لا تحقق المهمة كاملة بالحسابات البشرية؛ فلقد قدم أولٰئك الأطفال الذين تفاعلوا بمشاعر إنسانية عظيمة معونة وسندًا للآخرين؛ لقد امتلك كل منهم حُلمًا، ثم بدأ في العمل والتخطيط والتنفيذ من أجله، ونجحوا لأن الله يؤازر كل عمل للمحبة.
أمر آخر: لقد حرموا أنفسهم جميعًا من ضرورياتهم ومتعهم الخاصة كوجبة طعام يحبونها أو تلقي هدايا؛ من أجل أن يمنحوا بعضًا من السعادة. إن العطّاء الحقيقيّ يأخذ من إعوزاه ليرسُِم السعادة في حياة من يلتقَونه، شاعرًا بسعادة غامرة لا مثيل لها. أتذكر كلمات قرأتها عن الممثل “شارلي شابلن” أنه وقت أن كان طفلاً اصطحبه والده إلى عرض في السيرك، وبينما هما ينتظران الدَّور في شراء تذاكر الدخول، إذ يلمحان أمامهما عائلة من أب وأم وأبنائهما الستة وقد بدت على ملابسهم سمات الفقر، وكان الأطفال منتظرين يحلُمون بما سيشاهدونه في السيرك. وحين جاء دور العائلة في شراء التذاكر، أدرك الأب أنه لن يستطيع شراءها، وبدأ يتحدث هامسًا إلى زوجته. أسرع والد “شارلي شابلن” وأخرج من جيبه ورقة نقود وألقى بها على الأرض، ثم انحنى وأخذها ليقدمها إلى الرجل قائلاً: “لقد سقطت منك هٰذه النقود”! نظر الرجل إليه، وعيناه ملؤها دُموع الشكر والعرفان، ولم يجد خيارًا سوى قَبول النقود لئلا يشعر بالحرج أمام أبنائه! وما إن تقدمت العائلة إلى داخل السيرك، حتى أخذ والد “شارلي شابلن” بيد ابنه وعادا إلى المنزل! لقد كانت تلك النقود هي “كل ما يملِك”!! يقول “شارلي شابلن”: “منذ ذٰلك اليوم، وأنا أشعر بفخر شديد ببنوَّتي لذٰلك الرجل؛ لقد كان ذٰلك أجمل عرض، وإن كنت لم أشاهده!”. ربما تسعد حينما تمتلك، ولٰكن السعادة العظمى حين تقدم وتُسعد قلوبًا امتلأت بالأحزان والهموم والضيقات.