No Result
View All Result
وصلتني رسالة من أحد القراء، وهو صديق عزيز، يقول فيها: “نيافة الأنبا إرميا الأسقف العام: … كما أنني أتابع مقالاتك التي تكتُبها ومنها مقالة «مبادئ» بجريدة «أخبار اليوم» التي أتابعها باهتمام، إذ تتحدث عن سمات نفتقدها كثيرًا في حياتنا ليس على مستوى «مِصر» فقط بل في أماكن كثيرة من العالم، وهي تقدم رؤية إيجابية في مواجهة السلبيات. لٰكنني لا أجد سوى أن الحياة قد امتلأت بالغش والخداع في محاولات لتحقيق المكاسب، وأقول: «المكاسب»، وليس «النجاح»؛ لأن الأيام اختلفت كثيرًا ولم تعُد كما كانت من زمن طويل. ولا أعتقد أن هناك شيئًا سيتغير …”. بدايةً، أشكر صديقي العزيز على متابعته للمقالات، ورسالته الممتلئة بالكلمات الرقيقة المشجعة، وأيضًا تقديم آرائه ببساطة ووُضوح ومصداقية. ثانيًا، أوافقك يا صديقي أن الحياة تغيرت كثيرًا. إلا أن هناك دورًا يجب علينا ألا ننساه وهو “إبراز المبادئ” التي لا يمكن الحياة أن تكون بدونها. فهل هناك معنًى للحياة بدون: العدل، والحكمة، والرحمة، والتشجيع، والمحبة، والخير، وغيرها من أساسيات الحياة؟ وماذا إذا توقف الحديث عنها، لأنها اختفت أو ندَرت في حياة البشر؟ إلا أن عبارة صديقي: “إن الحياة قد امتلأت بالغش والخداع” قد استوقفتني؛ ولذٰلك أتحدث في مقالة اليوم عن الغش والخداع في الحياة.
تتعدد أنواع الخداع التي يقوم بها بعض الأشخاص، فهناك:
• خداع في الفكر: مثل معلومات خاطئة يقدمها شخص إلى آخر، بغرض دفعه إلى اتخاذ موقف مضاد أو مؤيد تجاه آخرين أو موضوع أو قضية.
• خداع في المشاعر: كإيهام شخص بأنه محبوب أو موضع اهتمام، لتحقيق مكاسب وأغراض أخرى.
• خداع في السلوك: مثل الخداع والغش في عمليات البيع والشراء، أو في العمل.
لٰكنّ خداع الإنسان للإنسان أمر تَنهى عنه الأديان جميعًا في النواحي والمجالات كافة. وسوف أتكلم عن رؤية الأديان لأنواع الخداع بأكثر إسهاب. لٰكنني أود أن أضع بعض القواعد في أمر خداع الإنسان للآخرين:
أولًا: لا يُعد الخداع نوعًا من الحكمة، إذ لا يمكن الإنسان الغاش أن يخدع جميع الناس في كل وقت، بل حتمًا سوف يأتي الوقت الذي تسقط فيه الأقنعة ويكتشف الآخرون الحقائق، فليس خفيّ أو مكتوم لا يُعلن يومًا ما، وكما يقولون: “تستطيع أن تخدع بعض الناس بعض الوقت، لٰكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت.”.
ثانيًا: إن الخداع قد يقدم مكاسب سريعة تسعده لٰكنها قصيرة الأمد؛ فالخداع لن يمكنه أن يكون قانونًا للحياة، وعند اكتشافه يفقد الإنسان غير الأمين جميع ما حققه من مكاسب أو نجاحات، إضافة إلى فقدان الثقة الذي يصبح حائلًا بينه وبين الذين حوله وهو ما يَزيد من صعوبة الحياة.
ثالثًا: إن الإنسان المخادع لا يعرِف طريقًا إلى حياة السلام والراحة، فهو دائم القلق من اكتشاف أمره، مهما بلغ ذكاؤه وحرصه؛ ويكون دائم الشك في الذين حوله إذ يعتقد أنهم يُريدون خداعه أيضًا، أو كشف أمره، أوالانتقام منه.
رابعًا: من قوانين الحياة التي وضعها الله أن من خدع يُخدع، ومن غش فسيأتي اليوم الذي يغشه فيه الآخرون؛ فما يزرعه الإنسان إياه يحصُِد: إنه عدل الله ـ جل شأنه ـ في الحياة. إن ما يعتقده بعضٌ أن الله صامت تجاه ما يحدث، وأنه لا يكشف خداع المخادعين سريعًا، ما هو إلا درب من دُروب رحمته لعلهم يتوبون ويعودون عن طريق ضلالهم، و … وللحديث بقية.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ
No Result
View All Result