No Result
View All Result
تحدثنا في المقالة السابقة عن العواصف التي تمر بحياة الإنسان، ومنها عواصف الخوف من الفشل التي تُعيق عمل الإنسان، والخوف من الآخرين الذي يمنعه عن معاملتهم بتعاون وإيجابية. واليوم نتحدث عن نوع آخر من العواصف.
هناك نوع من العواصف يجتاح حياة الإنسان اجتياحـًا، وهو عواصف “عدم الثقة بالنفس” التي تبدد طاقات الإنسان في أمور سلبية لا طائل منها سوى الألم! فإن عدم الثقة بالنفس هو المدخل الأساسيّ للمشاعر السلبية من حسد وضيق واهتزاز، مما يجعل الإنسان عرضة للتوترات والانفعالات الدائمة والتصرف بغير حكمة في المواقف المتنوعة. لذٰلك على الإنسان أن يعرِف أسباب عدم ثقته بنفسه ويتلافاها، ويتعلم كيفية بناء هٰذه الثقة داخله.
وغالبـًا ما ينبَُع نقص ثقة الإنسان بنفسه من مقارنته بالآخرين، وبخاصة في الصغر عندما يقوم الوالدون بمقارنة أبنائهم بآخرين أمامهم، وهو ما يترتب عنه أن ينشأ داخل الأبناء إحساس عميق بأن ثمة آخرين دائمـًا أفضل منهم، أو أنهم دائمـًا أقل. ومقارنة النفس بغيرها تُعد مقارنة غير عادلة إذ ليس ما نراه في شخص ما يمثل كل حياته، بل من المؤكد أن أجزاء خفية لا يراها البشر، وربما لا يقبلونها أو لا يحتملونها إن أدركوها! وفي المقارنة أيضـًا يظلم الإنسان ذاته أو الآخرين، وذٰلك لأنه يقارن ما يراه من إيجابيات ونجاح في حياتهم مقابل ما يراه من عُيوب أو فشل في نفسه! أو ربما تأتي المقارنة على النقيض فلا يرى فيهم إلا العيوب، غير مدرك لميزاتهم وإمكاناتهم في مقابل إدراكه لنقاط قوته فقط دون سلبياته. وهٰكذا ينشغل الإنسان في حياته بأمور تسلُب منه طاقاته، ووقته، وجُهده في أمور لن تبني بل تحطمه أو الآخرين. لذٰلك، ابتعد عن مقارنة نفسك بأيّ شخص آخر، فلقد خلق الله ـ تبارك اسمه ـ كل إنسان متميزًا. ولتكُن رؤيتك من نحو الآخرين بهدف اكتساب الصفات الإيجابية التي يتمتعون بها، والابتعاد عن الأمور السلبية التي ترفضها.
وفي الوقت نفسه، ابدأ في خُطوات كسب ثقتك بنفسك، الأمر الذي لا يرتبط بنوع العمل أو المكانة أو العمر، بل بأسلوب الحياة الذي تعيش به. وإليك بعض الأفكار: أولاً: حدِّد مواهبك وقدراتك، وأيضـًا عليك أن تُدرك سلبياتك ولا تنكر وجودها حتى تتمكن من تعديلها والتغلب عليها. وإن شعرت باحتياج إلى من يساعدك في ذٰلك الأمر، فإنه يمكنك الحديث مع إنسان تثق بحكمته. ثانيـًا: درِّب نفسك على إنجاز أعمال ومهام تتدرج من السهولة إلى الصعوبة، حتى تستطيع بناء ثقتك بقدرتك على إتمام العمل، وهٰذا يُعطيك طاقة إيجابية داخلك لتتمم بها مزيدًا من الأعمال، وبخاصة تلك التي هي أكثر صعوبة، فالنجاح يقود إلى نجاح أكبر.
ثالثـًا: لتهدُف إلى أن تكون مميَّزًا في عملك، فهٰذا يجعلك تعمل بجَهد واحتمال كبيرين لتحقيق تلك الصورة التي ترغبها. أعجبتني هٰذه الكلمات: “ذات يوم قالت لي أمي: إن صرتَ جنديـًّا فسوف تصبح چنرالاً، وإن صرتَ راهبـًا فسوف تصبح بابا «الڤاتيكان». وبدلاً من هٰذا وذاك، صرتُ رسامـًا، وأصبحت «بيكاسو».” رابعـًا: لا تهتز من النقد الذي يوجه إليك، بل استمع إليه، وفكِّر في مدى حقيقته؛ فإن كان نقدًا واقعيـًّا، فدَعه يكون مرشدًا لك لتعديل شخصك، وإن كان غير واقعيّ، فنَحِّه جانبـًا، ولا تنشغل به أو بإثبات عكسه فهٰذا يجعلك تبتعد عن أهدافك الحقيقية التي تريد الوصول إليها.
ربما يحتاج بناء الثقة إلى كثير من الوقت والجَُهد والتدريب، ولٰكنه أمر يستحق، إذ به تخطو نحو النجاح. وتذكَّر: أن الثقة بالنفس نابعة من ثقتنا بالله ـ تبارك اسمه ـ وبأنه وهب لكل إنسان طاقات وإمكانات شخصية ليعمل وينجح في الحياة.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ
No Result
View All Result