يقول الكاتب الشاعر اللُّبنانيّ “جُبران خليل جبران”: “لا تحاول أن تجعل ملابسك أغلي شيء فيك؛ لئلا تجد نفسك يومـًا أرخص مما ترتديه!”؛ وهنا أتوقف عند معني قيمة الإنسان. إن الإنسان له قيمة كبيرة عند الله ـ جل جلاله. ففي المسيحية، نجد أنه خُلق علي صورة الله ومثاله في العدل، والرحمة، والمحبة، و… إلخ، مع كَون هٰذه الصفات فيه محدودة لا مطلقة كوجودها في طبيعة الله ـ تبارك اسمه. وفي الإسلام، الإنسان هو خليفة الله في الأرض. لذٰلك، تُعد قيمته عظيمة جدًّا.قد يعتقد البعض أن قيمة الإنسان تعادل ما يملِكه من مال، أو مظاهر، أو سلطان، أو قوة؛ إلا أن كل هٰذه لها يوم تزول فيه، ويتبقي ما يملِكه من مبادئ، وقيم، وعطاء نبع من أعماقه. إن القيمة الحقيقية للإنسان هي فيما يفعله في الحياة من لحظة وجوده حتي رحيله؛ هي ما يُضيفه إلي الحياة والإنسانية، وهي أيضـًا ما يمنحه ويبذله لكل من يلتقيه أثناء حياته. ومن أجمل ما قيل: “إن قيمة الإنسان ليست بما يملِكه بل بما يمنحه؛ فالشمس تملِك النار لٰكنها تملأ الكَون بالنور.”. قد يقدم الإنسان: عملاً، أفكارًا، إبداعات، خيرًا، تشجيعـًا… إلخ؛ وبينما هو يقدم، فإن قدره وشأنه يعلوان عند الله والناس. وحين يدرك الإنسان أن القيمة الحقيقية تكمن في أعماقه، سيعمل علي تنميتها بالأسلوب المناسب، وسيسعي نحو الهدف المرجوّ. كذٰلك إذا وعي أن رفعة شأنه تكون بما يقدمه في الحياة، لعمِل علي خدمة من يعرفه ومن لا يعرفه بما وهبه الله له من إمكانات. فمن وهب له الله الفكر والعقل الراجح، يُنمي هٰذه القدرات الذهنية ليساعد بها الآخرين؛ وقد كان هٰذا هو الطريق الذي سلكه العلماء والمخترعون وغيرهم من الذين قدموا إلي الإنسانية أعمالاً عظيمة أفادت الآخرين وخففت عنهم آلامهم؛ ولذٰلك ظلت أعمالهم محفورة بارزة في صفحات التاريخ، وظلت أسماؤهم باقية بقاء الزمن. ومن أعطاه الله المواهب الفنية، يمكنه أن يُسعد من حوله بأعماله التي تحرك القلوب والمشاعر نحو عمل الخير. وهٰكذا كل من وهب له الله فهمًا وحكمة وأنواع مواهب لخير البشرية.
ويجب ألا يقيس الإنسان ما يقدمه بقليل أو بكثير، وإنما بعمق التأثير! فرُّب كلمات أو عمل يعتبره الناس طبيعيـًّا يقدَّم بمحبة وإخلاص فيكون له التأثير الكبير ويغيِّر من حياة أُناس كثيرين. أتذكر قصة أحد العمال في مَِحطة القطار، كان يحمل الحقائب للمسافرين، وقد اعتاد أن يتحدث بابتسامة مع كل من يلتقيه، محاولاً إدخال البهجة إلي القلوب بكلمات بسيطة رقيقة. فكان ببشاشة وجهه وكلماته المشجعة يمسح الأحزان والآلام، ويرسُِم الابتسامة علي الوجوه! وفي أحد الأيام، التقاه أحد الشباب بعد أن ظل يبحث عنه في المَِحطة، وشكره بعد أن ذكَّره بامرأة عجوز، هي والدته، التقته قبل شهر في مَِحطة القطار، وحمل لها حقائبها ونقلها علي أحد الكراسيّ المتحركة؛ وقد شعر بحَُزَْن قلبها الشديد، فحاول أن يشجعها ويُسعدها بكلماته الرقيقة المفعمة بالحياة. وأخبره الشاب أنها قبل موتها كانت تردد كلماته لها وهي فرحة وتشكر الله!!
لهٰذا تذكَّر دائمـًا، أيها الإنسان، أن الله وهب لك إمكانات عظيمة وجليلة التأثير فيمن يشاركك الحياة، وأن قيمتك الحقيقية تكمن في حُسن استخدامك لما تملِكه داخلك؛ فنمِّه واستثمره في إسعاد الآخرين، واعمل به لبناء كل ما تمتد إليه يداك: في أسرتك، وبين جيرانك، وفي بلادك؛ وبهٰذا تظل أنت الحاضر دائمـًا ولو رحلت من الحياة!! فقيمتك الحقيقية تتخطي بأعمالك حدود الزمان والمكان!!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ