بدأنا الحديث في المقالة السابقة عن الحوار أنه أداة العصر الحديث للتواصل بين الأفراد؛ مما يتيح الفرصة لزيادة المساحات المشتركة بين أفراد العائلة الإنسانية الواحدة، وأنه أيضًا طريق لنمو الفكر وصَقله في رحلة الحياة، وأن للحوار البناء قواعد يُبنى عليها، ذكرنا منها أنه: هادف، نقاش لا جدال، واضح بلا غموض، بعيد عن أحكام سابقة، بعيد عن العِراك. واليوم نستكمل هٰذه القواعد؛ فالحوار الجيد والمثمر يجب أن يكون:
بحثًا عن القواعد المشتركة
ابحث دائمًا عن الأفكار المشتركة بينك وبين الآخرين لتستطيع أن تبدأ حوارًا يصل بك إلى فَهم أعمق وحلول أفضل. ضَع في فكرك أن البشر مختلفون ولٰكنهم ليسوا أعداءً، وأن هناك ما يجمعهم. يقول آنطوني روبِنز ـ كاتب ومتحدث أمريكيّ ـ عن الحوار الفعال: “لكي تتخاطب والآخرين بطريقة فعالة، يجب عليك أن تُدرك أننا جميعًا مختلفون في الطريقة التي نفهم بها العالم، ونستخدم هٰذا الفَهم كدليل يُرشدنا إلى الاتصال بالآخرين.”. لذا فدورك أن تصل إلى ما هو مشترك أولًا، ثم تحاول بالحوار الوصول إلى مساحات مشتركة أكبر لئلا تصل إلى التنافر، وإلى إدراك أننا جميعنا مختلفون بعضنا عن البعض في النشأة والفكر والمعتقدات، واعتبار هٰذا ميزة إيجابية لا سلبية؛ فمن خلال هٰذا الاختلاف نتكامل جميعًا في الرؤية والعمل؛ لنصل إلى أفضل النتائج.
تقييمًا للأفكار لا الأشخاص
يجب أن يكون التقييم والرأي مرتبطين بالمواقف والأفكار لا بالأشخاص؛ فعندما تقيِّم فكرة، ابتعد عن أيّ انتقادات شخصية مباشرة إلى الأشخاص؛ فهٰذا هو أسهل الطرق إلى خَسارة الآخرين. أيضًا ابتعد عن النقد الذي يسبب الحرج لمحدثك؛ ليكُن تركيزك في الحوار وليس الأشخاص. ومتى أردت أن تنقُد، فلتنتقد الأفكار لا الأشخاص.
بعيدًا عن النصائح
الأشخاص لا يَقبلون النصائح بيسر وسهولة عندما تكون في العلن؛ فالنصيحة تحمل في طِيّاتها إبراز أخطاء الشخص وعيوبه؛ وهو ما قد يسبب له الحرج. كذٰلك فإنها تعني استعلاء مقدِّم النصيحة على الآخرين؛ وإن لم تعبر كلماته عن هٰذا مباشرة. لذا ابتعد عن موقع الناصح والواعظ والمعلم في حديثك للناس، لئلا ينفُِروا ويبتعدوا.
بعيدًا عن امتلاك الحقيقة
إن أكبر العراقيل التي تواجه المتحاورين هي اعتقاد كل منهم أنه وحده من يعرِف الحقيقة، أو أنه الأكثر فَهمًا لما يدور! فمِثل هٰذه الحوارات ينتهي بالفشل والعداء. لا أحد يملِك كل الحقيقة بمفرده، فكل منا يُدرِك أو يرى جانبًا منها، وحين نتحاور نحاول استكمال الصورة معًا.
بعيدًا عن التعميمات
أحد أخطر أسباب فشل الحوارات هو إطلاق التعميمات على الأفكار أو الأشخاص، وهٰذا يؤدي بدوره إلى إطلاق أحكام سابقة؛ فتتسع دوائر الخلاف.
بعيدًا عن تفسير الأمور
إذا واجهْتَ ما هو غامض في الأفكار أو التعبيرات، لا تتردد في طرح الأسئلة لاستيضاح الأمور من قائلها؛ فربما تنطوي كلماته على معانٍ أخرى لم ترِد إلى ذهنك. وإن أدركتَ معنًى معينًا من الحديث، تحقَّق ما فهِمتَه من محدثك، وهل كان هٰذا ما يقصِده أو لا. فهٰذا يجنبك كثيرًا من المشكلات وسوء الفَهم. لذا كُن صبورًا متفهمًا لما يُقال خلال الحوار دون تسرع في الحكم على معاني الألفاظ والكلمات، بل بالسؤال المباشر الواضح عن المعنى؛ فكثير ما يصعُب التعبير عن الأفكار بالكلمات.
محتويًا على الأَولويات
اهتم بوضع أَولويات الحوار طبقًا للأهداف المراد تحقيقها، ولا تسمح بالتطرق إلى أمور ثانوية لا تُفيد بل قد تُفسد الأمر كله.
مؤسَّسًا على الاستماع الجيد
يقولون: “إن بعض القول فن، فاجعل الإصغاء فنًّا.”. ويذكر الكاتب القَصصيّ آرنِسْت هِمِنجواي: “إذا تكلم الناس فاستمِع بتركيز، فمعظم الناس لا يستمع.”. الحوار المثمر يحتاج إلى مستمع جيد. فكما يقولون: إن الله خلقنا بأذنين وفم واحد، لكي ندرب أنفسنا على الاستماع أكثر مما نتحدث. فالإنصات إلى الآخر يهبك الفرصة جيدا لأنْ تفهم ما يقصِده؛ وبذٰلك يمكنك تقديم أفكارك بأسلوب أعمق وأكثر دقة فتزداد فرص الوصول إلى قواعد مشتركة بطريقة أسهل وأكثر إيجابية. وهٰذا الأمر يرتبط بثقة الإنسان بنفسه؛ فكلما ازدادت ثقته، ترك مساحة أكبر للآخرين للتعبير عن أفكارهم وآرائهم معطيًا لهم كل الاهتمام.
محتويًا على تقديم الوقت والانتباه
قدِّم إلى الآخرين الشعور بأنك تحترمهم وتقدرهم؛ من خلال بعض التصرفات البسيطة خلال الحوار. تحدَّث إلى الآخر واستمِع إليه وأنت تنظر إليه، ولا تنظر كثيرًا في الساعة؛ فإن هٰذا يُعطي انطباعًا أنك ملَلتَ الشخص الذي يحدثك. أمّا النظر في الأوراق الموضوعة أمامك فيقدم انطباعًا بعدم الاهتمام. و … ومعًا نستكمل الحوار …
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ