استكملنا في المقالة السابقة بعض قواعد الحوار الناجح الذي يُعد أحد أساسيات العصر الحاليّ، الذي فيه يجري: تبادل الأفكار، تفاعل الخبرات، تنمية التفكير وتنشيطه، صقل الشخصية. كذٰلك بالحوار تولَّد الأفكار الجديدة والإبداعية. والحوار الجيد المثمر يجب أن يكون:
ممتزجًا ببعض الفكاهة
يذكر الكاتب “ديل كارنيجي” مدير معهد كارنيجي للعَلاقات الإنسانية عن الحوار: “امزِج حديثك بالفكاهة، واجعلها تأتي بأسلوب طبيعيّ غير مصطنَع.”. إننا جميعًا نَسعَد بالكلمات المرحة التي تساعد على خلق جوًّا من الأُلفة والتقارب بين الناس، بالإضافة إلى أنها تُكسِب انتباه الجميع وحبهم. وقد ظهرت هٰذه الصفة بطريقة ملفتة في حوارات المتنيح قداسة البابا شنوده الثالث؛ فقد كانت حواراته لا تخلو من كلماته المرحة التي تُضفي البهجة والسرور والراحة على الآخرين، مما يولِّد شعورًا من الود والمحبة يُقبل فيه الجميع على المشاركة بإيجابية في الحوار. لذا، لا تتجَهَّم وأنت تحاور أحدًا حتى لا يشعُر الآخرون برفضك لهم أو استياءك من أفكارهم. وتذكر أن الابتسامة هي اللغة التي يفهمها العالم بأسره، وهي تُكسِب النفس جمالًا فائقًا يجعل الحوار سَلِسًا بين الناس، مريحًا، بعيدًا عن أي توتر وعناد.
بعيدًا عن كثرة الكلام
يقولون: “إننا نُطيل الكلام عندما لا يكون لدينا ما نقوله!” فكُن مركزًا في أفكارك وكلماتك، محاولًا التعبير عنها في غير إسهاب يتسبب في تشتيت المتحاورين معك. فكثرة الكلام دليل على أن المتحدث يفتقد القدرة على التعبير عن أفكاره، أو أنه ليس لديه ما يقدمه من أفكار. كذٰلك كثرة الكلام تُلقي بظلال من السآمة والملل على الحوار. اهتم لا بأن تُكثِر من حديثك بل أن تختار الكلمات المناسبة في وقتها المناسب.
محتويًا على الاحترام و راقيًا
في الحوار يجب أن يحترم كل طرف الآخر كشخص، وأيضًا في الآراء. فالكلمات أو نبرات الصوت أو التعبيرات أيًّا كانت لفظية أو غير لفظية يجب أن تعبر عن الاحترام والرقِيّ، حتى إن كان الآخرون مخطئين في أفكارهم. يقول البابا شنوده الثالث: “احترم رأي من تكلمه مهما كنت ضده”؛ فإن عدم احترام رأي الآخر وفكره يبني مشاعر سلبية داخل هٰذا الإنسان؛ مما يجعله في حالة رفض داخليّ لاستمرار النقاش أو عدم الوصول به إلى نتائج إيجابية؛ إنه انتهاء فاشل للحوار قبل أن يبدأ! وبالطبع هو خَسارة لصاحب هٰذا الرأي وللآخرين أيضًا. لذا عندما يضع كل شخص نفسه مكان الشخص الآخر ويحاوره بما يحمله من مشاعر وكلمات، فهٰذا يمكِّن من الحوار بطريقة أفضل وأكثر احترامًا ورقيًّا. فإنه من الأفضل أن لا يكون هناك حوار من أن يدور وينتهي بفقدان الآخرين وتحويلهم إلى أعداء، فهٰذا فشل لا يُعادله أيّ فشل.
هادئًا
الحوار البنّاء حوار هادئ يعبِّر فيه جميع الأطراف عن آرائهم، لا تعلو فيه أصواتهم ولا يثورون. فالثورة أو العصبية في الحوار تُفقده الوصول إلى أيّ نتائج مرجوّة. كذٰلك فإن نبرة الصوت تعبّر عن قوة فكر ومنطق كل إنسان أو ضعفه. فالإنسان القويّ فى فكره المتيقن من قوة منطقه يعبّر عن آرائه في هدوء مصدره الثقة، أمّا ضعيف الفكر والمنطق تراه يثور فاقدًا أعصابه ويعلو صوته .فعصبية الإنسان وانفعاله دليلان على شعور هٰذا الإنسان بالضعف، وعدم الثقة بنفسه. لذا يجب تجنب كل صخَب في المناقشات، فارتفاع الصوت لا يعني الانتصار، أو قوة المنطق.
عادلًا
أيضًا العدل من سمات الحوارات الناجحة، فتجد المتحاورين فيه لا يتعصبون لأشخاص أو لأفكار بعينها، يُقرون بالحق دون النظر في قائله إن كانوا يؤيدونه أو يعارضونه، غير متعصبين لفكرة معينة ولا رافضين أيّ أفكار أخرى؛ فانغلاق الحوار على شخص أو فكرة حتمًا سيؤدى إلى فشل أي حوار.
وفي الحوار الجيد، إن وُجد الحق في جانب أحد الأشخاص، يجب الاعتراف بهٰذا الحق من الجميع دون مماحَكة أو مغالَطة، فيجب امتداح الرأي الصائب.
صادقًا
الحوار البنّاء يحتوي على عرض الحقائق والمعلومات بصدق دون أكاذيب، أو دون إخفاء للحقائق؛ أو حتى عرض أجزاء من الحقيقة دون الأخرى للتضليل. كذٰلك يتسم بالأمانة العلمية فيما يُقدِّمه. وإذا لم تتوفر المعلومات الدقيقة عن موضوع ما، يستعان بمن له الخبرة في هٰذا الموضوع للوصول إلى نتائج إيجابية. ومعًا نستكمل الحوار …
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسي