استكملنا في المقالة السابقة بعض قواعد الحوار الناجح وهي أن يكون: ممتزجًا بالفكاهة التي تخلق جوًا من الود، مركزًا، محترمًا في الأسلوب وراقيًا، هادئًا، بعيدًا عن التعصب لأفكار أو أشخاص بعينها، صادقًا في كل ما يقدَّم فيه من حقائق.
إلا أن هناك بعض الأمور التي تؤدي إلى فشل الحوار؛ ومنها: ضعف المعرفة، الانفعال، النقد الهدام، الرغبة في التسلط، مخاطبة الجميع بالأسلوب نفسه، السخرية.
فشل الحوار
ضعف المعرفة
يُعد ضعف المعرفة لدى المتحاورين ـ سواء على المستوى الثقافيّ العام، أو بعدم إلمام القدر الكافي من المعلومات عن موضوع الحوار ـ عائقًا منيعًا ضد استمراره ونجاحه. فبناء الإنسان لنفسه عقليًا بصفة عامة، ومعلوماتيًا في الموضوع المطروح للنقاش بصفة خاصة، أمر أساسي لا غنى عنه. فالمحاور الذي لا يكون لديه هٰذه المعرفة، يتقدم بذهن خالٍ من الأفكار، وتُصبح كلماته جوفاء لا معنى لها؛ تتطرق إلى أفكار بعيدة أو مغايرة عن أهداف الحوار الرئيسية؛ ومن ثَم يفشل المتحاورون في الوصول إلى تحقيق النتائج المرجوة.
وتتضمن المعرفة: المعلومات الصحيحة والدقيقة التي يملكها الفرد، وإدارة هٰذه المعلومات بالطريقة الصحيحة، وفي الوقت المناسب.
الانفعال
إن الانفعال ـ سواء أكان لفظيًا أم بحركات جسدية ـ يؤثر سلبًا في الحوار، ويخلق جوًا من التوتر والرفض والعناد يصل به إلى طريق مسدود.
وأيضًا يضيق البعض من الحوار والمناقشة عمومًا دون وجود خلاف في الرأي! مما يؤدي إلى حالة من التوتر والتصاعد الانفعاليّ في الحديث، فيسود مُناخ غير مشجع على الحوار فيتوقف دون تحقيق أيّ نتائج إيجابية.
النقد الهدام
النقد الهدام الذي غالبًا ما ينبَُِع من: كراهية المتحاورين بعضهم نحو بعض، أو تحقيق طرف ما مصلحةً خاصةً يسعى لها، أو محاولة لإثبات الذات، هو نقد يُغلق باب الحوار قبل أن يبدأ. لذا يجب غرس المهارات والقيم لبناء العقلية التحاورية؛ من خلال التدرب على نقد الآراء نقدًا إيجابيًا. فيجب أن نعي أنه لا آراء خاطئة ولا صحيحة مائة بالمائة؛ ولذا حين ننقد رأيًا أو موقفًا، يجب أن يكون النقد موضوعيًّا، يُبرز ما يحمله من سلبيات وإيجابيات؛ وبهٰذا نصل إلى أفضل الآراء والحلول.
الرغبة في التسلط
يُطلقون دائمًا على جِلسة الحوار أنها جِلسة على المائدة المستديرة التي تُعد رمزًا لتساوي جميع الأفراد المتحاورين. أما محاولة أحد الأطراف التسلط وفرض الرأي، فهي تخرج بالحوار من كونه حوارًا إلى ممارسات تنافسية من أجل السيادة أو السيطرة على الآخرين في الحوار. وهٰذا السلوك له عدة أسباب منها: تحقيق أهداف خاصة في الحوار لمصلحة فئة أو أشخاص معينة، وعدم تدرب هؤلاء الأشخاص على قبول الاختلاف والتنوع مما يجعلهم أسرى للجمود الفكريّ والبعد عن الإبداع، وأيضًا السعي لإخفاء الشعور بالضعف سواء في الشخصية أو في الرأي والمنطق. إلا أن ما يخشَوه هؤلاء من الاختلاف والتباين يُعد الأساس لخلق أفكار مبدعة مبتكرة تحاول الوصول إلى توافق بين المتحاورين.
مخاطبة الجميع بالأسلوب نفسه
وأيضًا من أسباب فشل الحوار هو استخدام بعض المتحاورين طريقةً واحدةً أو أسلوبًا واحدًا في الحوار مع الشخصيات المتنوعة! فهٰذا الأسلوب سيؤدي حتمًا إلى فشل عديد من الحوارات. لذا على المحاور أن يراعي الاختلافات بين البشر ومنها: الاختلافات في القدرة العقلية؛ فالتحاور مع الأذكياء يختلف بكل تأكيد عنه مع محدودي الفهم. أيضًا هناك اختلافات في أنواع الشخصيات، فالتحاور مع شخصية شكاكة يختلف عنه مع الوسواسة، ومع الشخصية الباحثة عن الكمال، وهٰكذا. وهناك اختلافات في درجة المعرفة: فمحاورة عالم في موضوع ما تختلف عنها مع شخص لديه بعض المعلومات فقط. وفي هٰذا أعجبتني مقولة: “خاطِب العقول بحسَب حجمها، لا بحسَب حجم عقلك أنت.”. أيضًا يختلف الحوار بين الأب وابنه عن ذٰلك الذي بين الزوج وزوجته، وبين الرئيس ومرؤوسه، وبين الزملاء أو الأصدقاء.
السخرية
كثير من الحوارات انتهى بالفشل بسبب استخدام أحد أطراف الحوار أسلوب السخرية. إن السخرية باللفظ أو الإيماءات أو الحركات أو الملامح تؤدي إلى فشل الحوار، وانفعال المتحاورين ورفضهم الاستمرار. يوجد فارِقٌ بين إضفاء جو المرح والفكاهة على الحوار وبين السخرية التي لن تلقى قبول المشاركين جميعًا؛ وإن لم يكونوا موضع السخرية.
أما عن المحاور الناجح، فسنستكمل معًا حوارنا …
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسي