تحدثنا في المقالة السابقة عن أمور تؤدي إلى فشل الحوار في محاولة لتجنبها في أثناء إقامة حواراتنا.
تُعد شخصية المحاور وأسلوبه وكلماته من أهم عوامل نجاح الحوار؛ فالمحاور الناجح هو محاور: واعٍ، متصل، مشجِّع، مركَّز، متحمس، متلاحم، مؤثِّر.
واعٍ
يُدرك ويعي جيدًا أن هدف إقامة الحوار هو ليس تغليب وجهة نظر على أخرى، وإنما إيجاد حل وسط يقبله المتحاورون، وفي ذٰلك هو: يسعى لإدراك كل وِجهات النظر المعروضة، ويبحث للوصول إلى أقصى قدر من الدقة، ويستعرض جميع التصورات والحلول المطروحة للوصول إلى أفضل النتائج.
متصل
عند متابعتنا للحياة يوميًا، نجد أن استخدام الفرد للإشارات يفوق استخدامه للألفاظ. والمحاور الناجح قادر على التواصل: بالكلمات، والإيماءات، وأيضًا بالنظر. فلغة العين والإشارة قد تكون في بعض الأحيان أهم من العبارات المستخدمة وأكثر تأثيرًا. والتواصل بالنظر في الحوارات يكون من خلال: النظر إلى من تتحدث إليهم بحيث يكون كل منكم قادرًا على رؤية الآخر، وإبداء الاهتمام بردود أفعال من حولك، وعدم النظر إلى شخص واحد فقط دون باقي المتحاورين بل النظر إلى كل شخص معك لِئلا يُظن أنك توجه الحديث إلى شخص واحد بعينه.
مشجِّع
من أهم أسباب نجاح المحاور أن تكون له القدرة على تشجيع المتحاورين معه على المشاركة في الحوار والتفاعل فيه؛ من خلال: عدم مقاطعة المتحدث، وإعطائه الفرصة للتعبير عن وِجهة نظره، وبردود الأفعال المشجعة على الاستمرار في الحديث. أمّا الانتهار، أو إظهار الامتعاض، أو عدم الاهتمام، فيؤدي إلى سلبية الحوار وفشله.
كذٰلك فإن الجانب الإنسانيّ في الحوار له دور كبير؛ فالحوار الذي يبدأ بعرض لخبرات إنسان أو آخرين في موضوع النقاش؛ في كثير من الأحيان يساعد على تشجيع الآخرين على المناقشة.
مركَّز
المحاور الناجح هو القادر على التركيز في موضوع الحوار ومع المتحاورين جيدًا؛ فيستطيع من وقت لآخر أن يقدِّم ما وصلوا إليه في الحوار في نقاط مركزة: تمنع دخول التحاور في موضوعات فرعية، وتعيد الانتباه والتركيز للجميع، وتؤكد ما اتُّفق عليه بين جميع الأطراف.
ويُعد تأكيد ما جرى الاتفاق عليه من وقت لآخر بين الأفراد من أهم عوامل نجاح الحوار. وفي هٰذا نجد أن المحاور الناجح دائمًا يبادر باستخدام بعض العبارات مثل: “لقد فهِمتُ مما تقول أنك …”، و”أعتقد أنك كنتَ تقصِد … فهل فهمتُك جيدًا؟”. مثل هٰذه العبارات تركز في الأفكار المطروحة، وتؤكد معنى ما قصده المتحدث؛ فلا يحدث التباس في الفَهم.
متحمس
المحاور الناجح هو شخص مدرك لأهمية الحوار والتواصل، وفي الوقت نفسه هو قادر على نقل هٰذا الحماس إلى الآخرين. إحدى النصائح الموجهة إلى المحاور الجيد: “اجعلهم يتحمسون لما تريد منهم أن يفعلوه عن طريق اتخاذ الموقف من جانبهم”. كذٰلك هو قادر على أن يقدم إلى الآخرين أهمية الحوار والتواصل؛ مما يخلق فيهم الحماس للحوار ونجاحه.
متلاحم
المحاور الجيد لا يُعِد نفسه جزءًا منفصلًا عن المتحاورين، بل هو منهم. فالمشاعر التي تتولد داخل المتحاورين بأن الجميع يواجهون المشكلة نفسها ويسعَون معًا نحو حلها تساعدهم على مساندة وموآزرة بعضهم بعضًا لتحدي الصعوبات والمشكلات.
مؤثِّر
فهو يُبدي التفاهم نحو الجميع من خلال عبارات تخلق جوًّا من الإيجابية مثل:
– “يُسعدني أنك تشاركنا الحوار”.
– “لقد كان لك دور رائع وإيجابيّ في مناقشتنا هٰذه”.
وأيضًا هو يُدرك خطورة تأثير عبارات مثل:
– “عفوًا، فإن خبرتك لا تسمح بأخذ رأيك مأخذ الجد”!!
– “اقتراحك ضعيف ممتلئ بالعيوب”!!
– “إن آراءك متحيزة”!!
إن المحاور الجيد يُدرك أنه مثل القائد، وأنه حين ينجح الحوار فهٰذا يُعد نجاحًا للجميع، متذكرًا قول الزعيم نيلسون مانديلا: “ليس أفضل من أن تكون قائدًا يقف في الخلف ويضع الآخرين في المقدّمة؛ وبخاصة عندما تحتفل بانتصار ما. وعليك أن تكون في المقدمة في أوقات الخطر؛ عندها سيقدّر الناس قيادتك إياهم”.
ختامًا
إن الحوار الناجح ليس موقفًا واحدًا يمر بالإنسان، بل هو طريقة حياة يحتاج الإنسان إلى التدرب عليها في مراحل حياته المتنوعة؛ لاكتساب هٰذه المهارة في حياته. ويبدأ هٰذا التمرس من خلال الأسرة التي ينشأ فيها الطفل، ويتعلم من خلالها القدرة على الحوار الفعال. ثم يأتي دَور المدرسة التي تغرس مهارات الحوار وآدابه بين الطلاب والمعلمين، وبين الطلاب وأنفسهم. ولدُور العبادة دور رائد في ارتقاء الإنسان بمبادئه وأفكاره؛ ومن ثَم قدرته على التعامل والآخر. ولا يمكن إغفال دَور الإعلام والثقافة العامة في نمو مهارات الحوار الإيجابية. وأختِم كَِلِْماتي بمقولة أعجبتني: “الإنسان ليس جزيرة منعزلة، ولا أرضًا في حد ذاته، بل كل إنسان هو قطعة مـن قارة، هو فرع من أصل، هـوجزء من كـل.”.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسي