ما أجمل أن يتشارك المِصريُّون احتفالاتهم الدينية وتبتهج القلوب معًا! فبالأمس القريب قدمنا التهنئات لإخوتنا المسلمين بـ«عيد الأضحى»، واليوم نهنئ أقباط «مِصر» بـ«عيد السيدة العذراء» الذى يحتفلون به غدًا الثانى والعشرين من أُغسطس (السادس عشَر من مِسرَى)، ضارعين إلى الله أن يبارك «مِصر» بالخيرات والسلام.
تحدثنا بالمقالة السابقة عن «السيدة العذراء» «فخر جنس البشر»، وعن بعض من ألقابها: «الملكة القائمة عن يمين الملك»، «أمنا القديسة العذراء»، «سُلَّم يعقوب»، «الحمامة الحسنة»، «السحابة». وتطرقنا لفضيلة التواضع فى حياتها، وكيف كانت فى اتضاعها صامتةً متفكرةً فى قلبها بجميع ما يحدث مهما كان! لقد رأت «السيدة العذراء» أحداثًا جسامًا كثيرة، ومع هٰذا كانت هادئة دائمة التأمل فيها؛ فيقول «الكتاب»: «وَأَمَّا مَرْيَمُ، فَكَانَتْ تَحْفَظُ جَمِيعَ هٰذَا الْكَلاَمِ مُتَفَكِّرَةً بِهِ فِى قَلْبِهَا».
وفى حقيقة الأمر، لقد تعلمت «السيدة العذراء» منذ طفولتها الأولى، حين نُذرت بالهيكل، أن تنشغل بالصلاة، وبالتأمل، وبتسبيح الله، وبقراءة الأسفار المقدسة التى انطبعت فى حياتها فصارت مثالاً للنفس المتواضعة التى تدرك عظمة الله وتمجده فى كل أعمالها؛ هٰذا إلى جانب فضائل كثيرة امتلأت بها حياتهاـ ذكرنا بعضها بمقالات سابقة.
لذٰلك تضع الكنيسة القبطية «السيدة العذراء» فى مكانة رفيعة جدًّا: تسبق الملائكة، والأنبياء، والرسل، وجميع الشهداء والقديسين؛ كما رتبت لها عددًا من الأعياد.
أعياد «السيدة العذراء»
تحتفل الكنيسة القبطية بأعياد عدة للبتول:
■ عيد البشارة بميلادها فى السابع من مِسرَى (13/8)؛ حيث بشر ملاك الربِّ أباها «يواقيم» بميلادها؛ ففرِح هو وأمها «حِنّة» ونذراها للرب؛ فعاشت بالهيكل ملازمةً إياه منذ طفولتها.
■ عيد ميلادها وتعيد له الكنيسة فى الأول من بَشَنس (9/5).
■ عيد دخولها الهيكل يأتى الثالث من كيهك (12/12)؛ حيث فيه دخلت إلى الهيكل لتتعبد، وعاشت فى الدار المخصصة للعذارى.
■ عيد مجيئها إلى «مِصر» وهو عيد تنفرد به «مِصر» حيث هربت «العائلة المقدسة»: السيدة العذراء تحمل السيد المسيح طفلاً، ويصحبهما «يوسف النجار»، وسالومى ابنة خالتها، ويوافق الرابع والعشرين من بَشَنس (غرة يونيو).
■ عيد نياحة العذراء فى الحادى والعشرين من طوبة (29/1): إذ كان حولها الآباء الرسل عدا «القديس توما» الذى كان وقتذاك يبشر فى «الهند»، وفيه نتذكر معجزة وقعت لرجل يهودى حاول أن يمُد يده إلى نعش «السيدة العذراء» اعتداءً على جسدها الطاهر؛ فانفصلت يداه عن جسده، فندِم وبكى، وعادت يداه صحيحة مرة ثانية بعد صلوات.
■ عيدها الشهرى يُحتفل به فى الحادى والعشرين من كل شهر قبطى تَذكارًا شهريًّا لنياحتها التى كانت فى الحادى والعشرين من طوبة.
■ عيد رؤية التلاميذ لها بعد صعود جسدها إلى السماء، وهو العيد الذى نحتفل به غدًا، الذى يأتى السادس عشَر من مسرى (22/8)، ويسبقه «صوم السيدة العذراء» ومدته خمسة عشَر يومًا.
■ عيد معجزتها (حالَّة الحديد)، يأتى فى الحادى والعشرين من بَؤونَة (28/6)، ونتذكر فيه معجزة «السيدة العذراء» لـ«مَتِّيّاس الرسول» ومن معه بحَلّها الحديد الذى قُيدوا به. فقد ذهب «مَتِّيّاس الرسول» إلى «غلاطية» فى مدينة تسمى «برطس»؛ وقد آمن عدد كبير من أهل المدينة ما أهاج الوثنيِّين فسعَوا به لدى الوالى حتى أمر بالقبض عليه؛ فرفع الرسول «مَتِّيّاس» صلواته إلى الله كى ينقذه. سمِعت «السيدة العذراء» بما حدث للرسول «مَتِّيّاس»، وذهبت إليه حيث رأته فى السجن المغلق مقيدًا بسلاسل حديد؛ فصلت إلى الله لينحل الحديد، ويذوب كالماء فسمِع الله صلاتها، وذاب حديد القيود والأبواب والأقفال وكل حديد المدينة! فاضطربت المدينة بأسرها، وبحث الوالى عن السبب فقيل له إن سيدة غريبة تبحث عن «مَتِّيّاس» قد وقفت أمام أبواب السجن وصلّت صلاة فذابت الأبواب والأقفال على الفور. وأحضر الوالى «السيدة العذراء»، وتحدث إليها، فما كان منه إلا أن آمن بالله، ورجاها أن تعيد الحديد إلى حالته، فصلّت وسمِع الله لها؛ وهٰكذا أنقذت «مَتِّيّاس الرسول».
■ عيد ظهورها فى «الزيتون»، كان تجليها فى الرابع والعشرين من بَرَمْهات (2 /4 /1968م)؛ حيث استمر على مدى أشهر فى ظهورات متوالية. ثم تكرر ظهورها بعدد من الكنائس على مدى سنوات فيما بعد.
كل عام وجميعكم بخير وسلام، و… والحديث فى «مِصر الحلوة» لا ينتهى!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى