No Result
View All Result
يُذكر عن «سيناء» أنها حصن طبيعى لمِصر، فهى أحد أربعة حصون تحيط بها من الجهات الأربع، وقد يكون هذا هو سبب إطلاق اسم «مِشر» على «مِصر». فـ«مِشر» تعنى «المكنون» أو «المُحصَّن»، وذلك بفضل طبيعتها وكَونها محمية من جميع الجهات: ففى الشَّمال البحر الأبيض المتوسط، ومن جهة الشرق تحميها صحراء سيناء، ومن الغرب تحميها الصحراء الغربية، وفى الجنوب صخور كبيرة تَعوق عن الإبحار فى النيل.
وتُعد «صحراء سيناء» نقطة التقاء قارتى أفريقيا وآسيا، كما تعتبر خطًا فاصلًا بين البحر الأبيض والبحر الأحمر. ويذكر المؤرخ اللبنانى «نعوم شقير»، الذى طاف شبه جزيرة سيناء: «وقد امتدت صحراء سيناء نحو ١٥٠ ميلًا شرقًا وغربًا، ونحو ضعفى ذلك شمالًا وجنوبًا»، وتُقدر مساحتها بـ٦١ ألف كيلومتر مربع. وقد وُصفت صحراء سيناء فى كثير من الأحيان بأنها أرض قاحلة لا تصلح إلا أن تكون بابًا بين القارتين وجسرًا بين البحرين، فيذكر عنها: «فهى تظهر، الوهلة الأولى، مُجدِبة، تكسوها الجبال الصخرية القاحلة. وأرضها غير صالحة للزراعة. وتقل فيها الأمطار. وهى شديدة: الحر فى النهار، والبرد فى الليل».
وبحسب طبيعة الأرض فى سيناء، نجدها وقد انقسمت من القديم إلى ثلاثة أجزاء: الأول بلاد «الطُّور» وهى بلاد جبلية فى الجنوب، والثانى بلاد «التيه» وهى سهل مرتفع فى الوسَط، والثالث بلاد «العريش» فى الشَّمال وهى من الرمال. وبحسب ما ذكره المؤرخون، نرى «سيناء»، وإن كانت صحراء، أنها ليست ذات وتيرة وطبيعة واحدة، فالقسم الشَّمالى منها، الذى يمتد من «العريش» إلى «قناة السويس»، هو عبارة عن مساحات رملية واسعة حملت معها تاريخًا سحيقًا يمتد إلى الفراعنة، الذين اجتازت جيوشهم هذا الطريق عددًا من المرات إلى أرض «سوريا» و«كَنعان»، ومن الجهة الأخرى غزا الهكسوس والأشوريُّون والفارسيُّون واليونانيُّون سهول النيل الخصبة.
ومنذ القدم وصحراء «سيناء» تُعد من أهم طرق العالم، إذ بُدئ بها شَق الطرق من عهد الفراعنة فى القرن السادس عشَر قبل الميلاد. وهكذا قام فى «سيناء» قبل الأزمنة القديمة طريقان تِجاريان هما: «طريق الفَرَما» على ساحل البحر المتوسط فالشام فالعراق ليربِط وادى النيل ببلاد ما بين النهرين، «وطريق البترا» الذى يصل إلى الحجاز عابرًا «بلاد الطُّور». لكنّ «الرومان» و«الأنباط» استعملوا طريقًا مختلفًا كان يتجه من الشرق إلى الغرب فى «سيناء» سُمى فيما بعد باسم «درب الحَج» حيث كان يستعمل طريقًا للحجاج من «مِصر» إلى «مكة».
ومع أن «سيناء» هى أرض صحراء، إلا أنها اكتسبت شهرة فائقة عبر التاريخ، فقد ذُكرت فى الكتاب المقدس، والقرآن. كما عُرفت قبل القدم، فى أيام الأسرة الفرعونية الأولى، بمناجم الفيروز والنُّحاس التى قام المِصريون القدماء باستغلالها.
معنى كلمة «سيناء»
اختلف المؤرخون فى شأن معنى كلمة «سيناء»، فقد قيل إنها تعنى «الحجر»، وذلك بسبب كثرة جبالها، على حين ذكر آخرون أنها تحمل اسم «توشريت»، فى اللغة الهيروغليفية القديمة، التى تعنى «أرض الجَدَْب والعراء». إلا أن بعضًا يعتقد أن «سيناء» هى كلمة مشتقة من الكلمة العربية «سنا» التى تعنى «الضَّوء الشديد»، ويُرجِع بعضٌ هذه التسمية إلى الضَّوء الشديد المنعكس على الحجر الجيرى الأبيض. هذا، إضافة إلى اللون الأحمر المنعكس من الصخور الجراتينية الحمراء على منحدرات «جبل موسى».
وهناك من يُرجِع اسم «سيناء» إلى كلمة «سين» التى تشير إلى اسم «إله القمر» عند البابليِّين. ولكنّ بعض العلماء يقولون إن كلمة «سيناء» مشتقة من الكلمة السامية «سن» التى تعنى «سن الإنسان» ويُرجَع هذا إلى شكل جبالها الشبيهة بالسن فى تكوينها.
«موسى النبى»
أيضًا وُلد «موسى النبى» فى أرض «مِصر» من والدين عبرانيَّين، لكن أمه وضعته فى سَفَط أو سَلّ من البردى على حافة النهر خَشية أمر فرعون بقتل أولاد العبرانيِّين. فوجدته ابنة فرعَون، وانتشلته من الماء، ودعت اسمه «موسى» أى «المنتشَل من الماء». وتربى «موسى» فى بيت فرعون مِصر، متأدبًا بكل حكمة المِصريِّين. إلا أن «موسى» عندما كبِر رأى مِصريًا يضرِب عبرانيًا، فغضب وقتل المِصرى! وعُرف الأمر لدى فرعون، فطلب أن يُقتل «موسى»، فهرُب عبر «سيناء» إلى أرض «مِديان» المجاورة لها، حيث سكن وتزوج بـ«صَفُّورة» ابنة كاهن «مِديان» التى ولدت له «جَرشوم» و«أليعازر».
وعندما أمر الله- جل جلاله- «موسى» بأن يقود شعب بنى «إسرائيل» إلى خارج «مِصر»، خرج الشعب بقيادته متخذًا الطريق إلى «فِلَسطين» عبر «سيناء»، حيث يأتى ذكر اسم «سيناء» للمرة الأولى فى الكتاب المقدس فى قصة الخروج: «ثم ارتحلوا من إيليم. وأتى كل جماعة بنى إسرائيل إلى برِّية سِين التى بين إيليم وسيناء فى اليوم الخامس عشَر من الشهر الثانى بعد خروجهم من أرض مِصر». وبرية «سين» هى عبارة عن شريط رملى جنوب هضْبة «التيه» التى تقع فى الجنوب الغربى من شبه جزيرة سيناء، ويُرجِح بعضٌ إلى أنها منطقة «دبة الرملة» حاليًا.
العائلة المقدسة
كذلك تباركت «سيناء» جدًا بعبور العائلة المقدسة بها، فى أثناء هروبها من وجه «هِيرودُس الملك» الذى كان يريد قتل «السيد المسيح». فرحلت العائلة المقدسة من «بيت لحم» بفلسطين كأمر الملاك إلى «غزة» حتى محمية «الزرانيق» (الفلوسيات) غرب «العريش»، لتدخل أرض «مِصر» عن طريق بوابتها الشرقية «سيناء» من «الفَرَما» التى تقع بين مدينتى «العريش» و«بورسعيد». وفى طريق العودة، مع أن العائلة المقدسة سلكت طريقـًا آخر، لكنها عبرت منه إلى «سيناء»، ثم «فلسطين» حيث عادت إلى قرية «الناصرة» فى «الجليل».
«سيناء» فى القرآن
وقد ذُكرت سيناء فى القرآن فى سورة التين: ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾؛ فالمقصود بـ«طُور سنين» هو طور «سيناء» حيث كلم الله «موسى النبى».
أهم معالم «سيناء»
الطريق الحربى الكبير الذى يمر بها ومازالت له آثار باقية، ومناجم الفيروز والنُّحاس الأثرية وهى من أقدم المناجم فى العالم، وقلعة «صلاح الدين الأيوبى» المقامة على «جزيرة فرعون» فيها.
ومن أهم معالم سيناء الدينية: «جبل موسى» الذى يُعد من أشهر جبال سيناء، بل العالم كله إذ يزوره آلاف السُّيّاح لإيمانهم أن مِن عليه كلم الله «موسى النبى» وأعطاه الوصايا العشْر، ويقع قريبًا منه جبل «سانت كاترين» وبه دَير «القديسة كاترين» للروم الأرثوذكس الذى بناه الإمبراطور «يوستينيانوس» عام 545م تقريبًا، ويضم الدَّير العُلَّيقة المشتعلة التى رآها «موسى النبى».
و… وعن مِصر الحلوة الحديث لا ينتهى…!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى
No Result
View All Result