No Result
View All Result
«أرمينيا» تنقسم «أرمينيا» التاريخية إلى قسمين «أرمينيا الكبرى» شرقَاً و«أرمينيا الصغرى غرباً»، وقد أطلق عليها قديماً اسم «هايك»، وهى بلد جبلى يُعد أعظم جبالها وأشهرها «الأرارات». وهى بلاد الأنهار، فمع نهرى «دجلة» و«الفرات» هناك «أراكس» و«جوروخ» و«كور» وغيرها، وحالياً يُطلق عليها «الهضبة الأرمينية» وترتفع عن سطح البحر ما بين ٨٥٠و١٨٥٠م، ومساحتها ٢٥٠ ألف كيلومتر مربع، ويحُدها من الغرب نهر «الفرات»، ومن الشمال جبال البونتيك و«چورچيا» وسلسلة جبال «القوقاز»، ومن الشرق «أذربيچان» و«إيران»، ومن الجنوب سلسلة جبال «طوروس» وسهول «الجزيرة» و«العراق». وينتمى الشعب الأرمينى إلى القبائل الهندو أوروبية. و«أرمينيا» هى أول دولة أعلنت المسيحية ديانة لها فى عام ٣٠١م.
مذابح الأرمن وللشعب الأرمينى قصة طويلة مع الاضطهاد الذى تعرض له أبناؤه، قصة تُذكرنا بعصور اضطهاد وحشى مرت بالمصريِّين فى القرون الأولى للمسيحية. وقد عُرفت مذابح الأرمن بأسماء: «المحرقة الأرمينية» و«المذبحة الأرمينية» و«الجريمة الكبرى».
البدايات فى الفترة 1894-1896م نُفِّذت المجازر الحميدية وقتل مئات الآلاف من الأرمن، واليونانيين، والآشوريين، بعد مهاجمة القرى المسيحية. وفى عام ١٩٠٩م، تكررت المجازر فى «قيليقية» حيث شملت «مجزرة أضنة» التى راح ضحيتها قرابة ٣٠ ألفاً من الأرمن.
مذابح الأرمن إبان الحرب العالمية الأولى إلا أن أصعب مذابح الأرمن كان أثناء الحرب العالمية الأولى، فقد تعرضوا لإبادة بشرية جماعية بعد قتل وتشريد فى أحد أضخم المجازر البشرية التى عرفها التاريخ مع بداية القرن العشرين، وتعتبر الثانية بعد أشهر قضايا المذابح المعروفة بـالـ«هولوكست».
فمع بزوغ شمس يوم ٢٤ إبريل عام ١٩١٥م، الذى أصبح ذكرى لمذابح الأرمن، أُلقى القبض على مئات المفكرين والشخصيات البارزة وأعيان الأرمن ورجال الدين، وأُعدموا فى ساحات المدينة، لتبدأ بعدها عمليات الإزاحة للأرمن من مدنهم وقراهم، فى قوافل تتحرك فى رحلات أقل ما يمكن أن توصف به أنها «رحلات الموت»! فقد كان بانتظارهم الحرق والقتل والسلب وموت للرجال وسبى للنساء مع ترحيل قَسرى لهن وللأطفال، وللعجزة والعجائز، فى طرق جبلية وعرة وصحراوية قاحلة، حيث «دير الزور»، دون طعام أو شراب، ليلقوا حتفهم فى أبشع مشاهده. وقد قام أهالى «دير الزور» بإخفاء أطفال الأرمن الناجين ومن استطاع الهرب من المذبحة من البالغين. وحين كانوا يُسألون عن الأطفال، كانوا يُنكرون رؤيتهم ويدّعون أنهم أطفالهم هم. وقد قدّر الباحثون أن أعداد الضحايا الأرمن تتراوح ما بين المليون والمليون ونصف نسمة. ولم يكُن هٰذا مصير الأرمن فقط، بل تعرضت مجموعات عرقية مسيحية أخرى للقتل فى تلك الحقبة مثل: السريان، والكَلدان، والآشوريِّين، واليونانيِّين، وغيرها. شهود على المذابح الأرمينية
كتب سفير الولايات المتحدة فى «إسطنبول»، عام ١٩١٥م، عن أحد الصور التى تُرى فيها جثث الأرمن ملقاة فى الشوارع: «مشاهد كهٰذه كانت شائعة فى جميع المقاطعات التى يسكنها الأرمن، فى شهرى الصيف والربيع من سنة ١٩١٥م. الموت كان فى عدة صور: مذابح، مجاعات، تهجير قَسرى، تسببت فى أذية السواد الأعظم من اللاجئين. السياسة التركية كانت تقضى بالإبادة مع النفى فى العلن…».
ويروى أحد المرسلين الأمريكيين إلى مدينة «الرها» ما رآه من أحداث فيقول: «خلال ستة أسابيع شاهدنا أبشع الفظائع تُقترف بحق الآلاف… الذين جاءوا من المدن الشمالية ليعبروا من مدينتنا، وجميعهم يروُون الرواية نفسها: قتل جميع رجالهم فى اليوم الأول من المسيرة، بعدها جرى الاعتداء على النسوة والفتيات بالضرب والسرقة، وخطف بعضهن حراسُهن.. كانوا من أسوأ العناصر، وسمحوا لأى من كان من القرى التى عبروها باختطاف النسوة والاعتداء عليهن. لم تكُن هٰذه مجرد روايات، بل شاهدنا بأم أعيننا هٰذا الشىء يحدث علناً فى الشوارع»!!
وذكرت «يوفينوغ ساليبيان» إحدى السيدات الأرمينيات الناجيات، التى تبلغ من العمر ١٠٠ سنة، لصحيفة «الإنديبندنت» اللندنية: الـ«هولوكوست» الأرمينى واضح وشبيه بـالـ«هولوكوست» اليهودى، ويجب التذكير به، لأن الدولة التركية تنفى وتُصرّ على عدم قيام الإمبراطورية العثمانية بإبادة مليون ونصف المليون من الأرمن قبل قرن تقريباً، منهم من قُتلوا رمياً بالرصاص، وطعناً بالسكاكين، وضرباً بالفؤوس. وقد أُرسل الأطفال نحو الغابات فى شمال «سوريا» حيث جرى تجويعهم واغتصابهم وذبحهم»!! وذكرت أنه لم ترحَّل أسرتها فى بادئ الأمر لارتباط والدها بمصالح تجارية، لٰكنها تتذكر صراخ الأطفال وبكاءهم، وهم حفاة الأقدام والجنود يضربونهم بالسياط لدفعهم للمغادرة!! كذٰلك تحدث «زاكار بربريان»، ٨٩ عاماً وصار كفيفاً، عن ذكريات هٰذه الوقائع فقال: «فى سنة ١٩١٥م، كنتُ فى الثانية عشرة من عمرى. كنتُ أعيش فى قرية «بالاچيك» الواقعة على نهر «الفرات». وكان لى أربعة أخوة، وكان أبى حلاقاً. فى ذٰلك اليوم، رأيت العسكر الأتراك يدخلون قريتنا، وهو مشهد لا أنساه أبداً.
ولم أكُن قد فقدتُ بصرى بعد. أحرقوا السوق فى «بالاچيك»، وتناثرت أحجار المبانى فى كل مكان، ورأيتُ كل ما حدث بعينى. أخذوا الرجال الذين لم يعودوا أبداً وجروا النساء والصغار إلى السوق القديمة. وأخذ الجنود يرفعون الصغار من كل الأعمار إلى أعلى ليرموهم ليقعوا على الحجارة أمام الأمهات ويموتون. لا يهم عمر الصغير. خمس أو ست أو ثمانى سنوات. وإذا لم يمُت من السقطة، فجّروا رأسه برصاصة أو حجر. وفعلوا ذٰلك أمام أمهاتهم. لم أسمع فى حياتى مثل هٰذا الصراخ من الأمهات. رأيتُ كل هٰذا من صالون الحلاقة.. وبالطبع لم تتمكن الأمهات من فعل شىء فى أثناء قتل أبنائهن سوى الصراخ والبكاء. كان أحد الأولاد فى مدرستى. وجدوا دفتر علاماته فى جيبه، وتبين أنه نال أحسن العلامات المدرسية. ففجّروا رأسه. وربط أحد العساكر الأتراك قدمى أحد أصدقائى بذيل حصانه وجره خارج القرية حتى مات»!! وذكرت جريدة «نيويورك تايمز» الصادرة فى الخامس عشر من ديسمبر أن قرب المليون شخص قُتلوا أو نُفوا بأيدى الأتراك. وبسبب تلك المذابح هاجر الأرمن إلى عديد من دُول العالم منها: «سوريا» و«لبنان» و«مصر» و«العراق».
وفى الخامس عشر من يونيو ٢٠٠٥م، أصدر البرلمان الألمانى قراراً بإكرام ضحايا العنف والقتل والطرد من الشعب الأرمينى قبل الحرب العالمية الأولى وخلالها، فنص على: «إن البرلمان الألمانى يعبر عن استيائه من تصرفات حكومة الإمبراطورية العثمانية بشأن تدمير شبه كامل للمجتمعات الأرمينية فى «الأناضول»، وكذٰلك من الدور المخزى للرايخ الألمانى فى عدم مواجهة الطرد والإبادة المنظمة ضد الأرمن».
موقف «مصر» من مذابح الأرمن و«مصر» دائماً كانت كالعهد بها، تحمل فى أعماقها إنسانية نحو العالم بأسره، فهى بحق «أم الدنيا». فقد استقبلت «مصر» الأفواج الأرمينية القادمة إليها نزوحاً وهرباً من الإبادة التى تعرضت لها. فمع بدء المذابح، استقبلت «مصر» زهاء ٢٠٠٠ لاجئ أرمينى فى الفترة ١٨٩٤-١٨٩٦م. وندد أصحاب الأقلام فى «مصر» بما حدث فى «أضنة»، وفى مقدمتهم «مصطفى لطفى المنفلوطى» و«أحمد لطفى السيد» وغيرهم، كما أصدر شيخ الأزهر آنذاك فضيلة الإمام الأكبر «سليم البشرى» فتوى أدانت ما يُقترف من أفعال ومذابح ضد المسيحيِّين. واحتمى بأرض «مصر» فى مدينة «بورسعيد» عام ١٩١٥م قرابة ٤٠٠٠ أرمينى حتى عودتهم فى ١٩١٩م. هٰذا مع مواقف «مصر» الإنسانية إزاء الأطفال الأرمن الأيتام الذين سمح لهم «سعد زغلول» ووزارته بالحضور إلى «مصر» فى رعاية المطرانية الأرمينية، وقد بلغ عددهم أكثر من ألف طفل وطفلة. كذٰلك كانت «مصر» أول دولة يُنشر فيها أول كتاب لتوثيق الإبادة الأرمينية للكاتب والمحامى والموظف الحكومى العثمانى «فائز الغصين»، وقد صدرت الطبعة الأولى فى «مصر» بعد أن استطاع تهريب مؤلَّفه إليها، ليروى فيه ما حدث للأرمن من إبادة جماعية، و… وعن مصر الحلوة الحديث لا ينتهى…!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى
No Result
View All Result