No Result
View All Result
تحدثنا فى المقالة السابقة عن البابا «إسحاق» البطريرك الحادى والأربعين والبابا «سيمون الأول» البطريرك الثانى والأربعين فى بطاركة «الإسكندرية»، اللذين كانا فى ولاية «عبدالعزيز بن مروان» على «مِصر». ونستكمل اليوم قصة البابا «سيمون الأول».
تعرض البابا «سيمون الأول» لمحنة مع الوالى بسبب وفد من مَسيحيِّى «الهند» التابعين لـ«كنيسة أنطاكية» التى ترسِم لهم الأساقفة والقساوسة، حاول أعضاؤه الذهاب إلى «أنطاكية» لرسامة أسقف لهم فلم يتمكنوا من الوصول إليها، فتوجهوا إلى «الإسكندرية» للقاء البابا «سيمون» وطلبوا إليه أن يقيم لهم أسقفًا للهند، فاعتذر بأنه لا يستطيع إتيان هذا العمل لأنهم يتبعون «كنيسة أنطاكية»، وكذلك لأنه لا يمكنه دون معرفة الوالى، فخرجوا من عنده ليذهبوا إلى الوالى.
وفى طريقهم، التقاهم بعض الملكانيِّين التابعين لـ«كنيسة روما» وعرَفوا أمرهم، فأحضروهم إلى بطريرك الملكانيِّين، فرسم لهم أسقفًا وكاهنين، ثم ذهبوا فى طريقهم سرًّا إلى «الهند». وفى طريق عودتهم، قبض عليهم حفظة الطريق، وسلموهم للخليفة «عبدالملك بن مروان» فى «دمَِشق»، وهرب القَس الهندى عائدًا إلى «مِصر». وحين علِم الخليفة أنهم من «مِصر» وذاهبون إلى بلاد «الهند»، قطع أيديهم وأرجلهم وأعادهم إلى والى «مِصر» «عبدالعزيز»، موبخًا إياه على عدم معرفته بما يحدث فى وِلايته، ومتهمًا بطريرك الإسكندرية بالخيانة وإرسال أخبار «مِصر» إلى «الهند» وأمر بجلده مئتى جلدة وتغريمه مئة ألف دينار!!
استشاط الوالى «عبدالعزيز» غضبًا، واستدعى البابا «سيمون» وطلب منه الإقرار بالحقيقة بعد أن هدده بالموت. أخبر البابا الوالى بما طلبه القَس الهندى وكيف أنه رفض طلبه. لكنّ الوالى لم يصدقه وزاد من تهديداته، فطلب البابا مهلة سبعة أيام للصلاة ليكشف الله حقيقة الأمر فلم يمهله الوالى إلا ثلاثة أيام، ظانًّا أنه يريد الهرب. وأثناء المهلة، صلى البابا طالبًا إلى الله أن يكشف أمر براءته لدى الوالى. وعند مغيب اليوم الثانى، رأى أحد كتبة البطريرك القَس الهندى يتمشى على شاطئ البحر بعد هربه من رجال الخليفة، فأسرع نحوه وأخذه إلى الأب البطريرك.
وفى اليوم الثالث، اصطحب البابا القَس الهندى إلى الوالى الذى فى حضرته التمس وعدًا منه قائلًا: «أريد أن تعطينى عهد الله لى، ولمن حضر معى فى هذه القضية، ألا تفعل بهم سوءًا بل تعفو عنهم لوجه الله ويظهر لسلطانك الحق»، فوعده الوالى. فأحضر البابا القَس الهندى الذى قص الحقيقة على الوالى، فأمر بسَجنه، وإحضار بطريرك الملكانيِّين، وأرسل إلى أخيه الخليفة يُعلمه بأمر براءة بطريرك الأقباط وبصلاحه. ثم طلب البابا إلى الوالى الصفح عن المخطئين، فوفى بوعده وأطلق سراح القَس الهندى والبطريرك الملكانى. واستمر البابا «سيمون» فى خدمته إلى أن تنيح بسلام عام ٧٠٠م.
وبعد نياحة البابا «سيمون الأول»، لم يُختَر أب بطريرك لكرسى الإسكندرية فترة، فطلب أحد وُجهاء الأقباط، اسمه «أثناسيوس» وكان متوليًا الديوان، إلى الوالى «عبدالعزيز» أن يكون «أنبا أغريغوريوس» أسقف «القيس» مدبرًا لشُؤون الكنيسة، فوافق له. وهكذا سافر الأب الأسقف إلى «الإسكندرية» لرعاية الكنيسة فترة كانت ثلاثة أعوام خلا فيها الكرسى المَرقسى إلى أن انتُخب البابا «ألِكسندروس الثانى» البطريرك الثالث والأربعون فى بطاركة «الإسكندرية».
وقد عاصر هؤلاء البطاركة زمن خلافة «عبدالملك بن مروان».
الخليفة «عبدالملك بن مروان» (٦٨٥-٧٠٥م)
تولى الخلافة بعد موت أبيه «مروان» وحكم «الشام» و«مِصر» فقط. وكانت «العراق» و«الحجاز» ماتزالان فى خلافة «عبدالله بن الزبير». وقد أرسل «عبدالملك بن مروان» جيشًا كبيرًا إلى «العراق»، وانتصر على «مصعب بن الزبير»، ودخل «الكوفة»، ووضع أخاه «بِشر بن مروان» لحكمها بعد أن خضعت «العراق» لحكمه، ثم عاد إلى «دمَِشق». ومن «دمَِشق» أرسل جيشًا إلى «الحجاز» بقيادة «الحجاج بن يوسف الثَّقَفى» لإنهاء صراعه مع «عبدالله بن الزبير» الذى أعلن نفسه خليفة بعد وفاة «يزيد بن معاوية بن أبى سفيان»، وقد انتصر «الحجاج» عليه بعد أن استمرت خلافة «عبدالله بن الزبير» تسْع سنوات، ثم ولّاه «عبدالملك» «مكة» و«المدينة» و«الطائف»، ثم أضاف إليه «اليمن» و«اليمامة».
اهتم «عبدالملك» بمدينة دمَِشق فبنى بها المستشفيات للمرضى، والخانات (الفنادق) لإقامة الغرباء. كان هو أول من سك عملة الدينار وكتب عليها اسمه. اهتم بتكريم العلماء والفقهاء والمفكرين حتى صارت «دمِشق» مدينة يتجه صوبها العلماء. اهتم أيضًا باستكمال الفتوحات الإسلامية حيث فُتحت بلاد «المغرب»، و«أرمينيا»، وسواحل «سوريا»، وفتح حصونًا مهمة منها: «مرعش»، و«عمورية»، و«أنطاكية»، فاتسعت حدود الدولة الأموية فى عهده. وكان هو أول من أنشأ قاعدة بحرية فى «تونُس». وينسِب إليه المؤرخون أنه مَن عرَّب الدواوين من الفارسية. وقد جرى فى عهده عديد من الإصلاحات الزراعية والتَّجارية التى عادت بالخير الوفير على البلاد. كذلك اهتم بالعمارة والتشييد فبنى «مسجد قبة الصخرة» فى «القدس» (غير المسجد الأقصى) على شكل فريد مثمن الأضلاع ذى قبة عالية مزخرفة بالفُسَيفِساء.
ومن المواقف التى تُذكر عن «عبدالملك» أنه لم يكُن يسمح لأحد بأن ينافقه، فقد رُوِى أن رجلًا طلب إلى «عبدالملك» أن يحدثه على انفراد، فأمر مَن عنده بالانصراف، فلما خلا به، بدأ «عبدالملك» كلماته إلى الرجل قائلًا: «احذر من كلامك ثلاثًا: إياك أن تمدحنى فإنى أعلم بنفسى منك، أو تَكذِبنى فإنه لا رأى لكذوب، أو تسعى إلى بأحد من الرعية فإنهم إلى عدلى وعفوى أقرب منهم إلى جَورى وظلمى…».
وقد رغِب «عبدالملك» برفع ولاية «مِصر» عن أخيه وإسنادها إلى ابنه، إلا أن «عبدالعزيز» رفض، ويذكر أحد المؤرخين أن «عبدالعزيز» كتب إليه يقول: «أرى فى ابنى (أبى بكر) ما ترى فى الوليد». فأرسل إليه مرة ثانية يطلب منه إرسال ضريبة «مِصر»، فأجابه: «إنى وإياك يا أمير المؤمنين قد بلغنا سِنًّا لم يبلغها أحد من أهل بيتك، إلا كان بقاؤه قليلًا. وإنا لا ندرى، أيّنا يأتيه الموت أولًا. فإن رأيتَ ألا تُفسد علىّ بقية عمرى، فافعل». فتركه «عبدالملك» إذ رق لكلماته.
ومرِض «عبدالعزيز» والى «مِصر» وتُوُفِّى عام ٧٠٤م فى «حُلوان»، بعد موت ابنه «الأصبغ»، وحُمل إلى «الفسطاط» حيث دُفن، وكانت ولايته هى أطول الولايات التى شهِدتها «مِصر». عيّن الخليفة «عبدالملك»، من بعد أخيه «عبد العزيز»، ابنه «عبدالله» واليًا على «مِصر». وقد ذكر المؤرخون عنه نقل الدواوين إلى العربية بعد أن كانت بالقبطية، ولكن بعضهم قال إنها ظلت تُدار بالعربية والقبطية معًا زمنًا حتى تحولت جميعها إلى اللغة العربية، و… وعن مصر الحلوة الحديث لا ينتهى…!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى
No Result
View All Result