No Result
View All Result
في البداية أود أن أهنئ إخوتنا المسلمين: في «مِصر»، وفى المنطقة العربية، وفى العالم أجمع؛ بعيد الفطر، وأن نصلى إلى الله أن يحفظ أمن «مِصر» وسلام أبنائها، وأن تعم السعادة والرخاء بلادنا المحروسة. ونحن على مشارف الافتتاح لأحد المشروعات العملاقة، نتذكر حُلمـًا كان على مر التاريخ: من الفراعنة، فاليونانيِّين، فالرومان؛ إلى أن تحقق بتعب المِصريِّين وعرقهم، بل حفروه بدمائهم، عندما افتُتحت «قناة السويس» في عام ١٨٦٩م، لتكون هدية «مِصر» إلى كل العالم، وأضحى شِريانـًا يتدفق حاملاً ١٠% من التجارة العالمية و٢٢% من تجارة الحاويات في العالم. فيأتى هذا المشروع العملاق، حُلمـًا مِصريـًّا جديدًا، يقدِّم إلى العالم إعجازًا فريدًا، يوشك أن يغدو حقيقة مع افتتاح «قناة السويس الجديدة».
وفى إطار هذا العمل الضخم، أعتقد أن هناك عدة ركائز يجب أن نُدرِكها في ظل تطلعنا إلى صنع مستقبل رفيع، ومثمر، ومزدهر، يليق بمكانة «مِصر» ودَورها التاريخىّ؛ وأهم هذه الركائز تكمن في معرفة الإنسان وإدراكه: لهدف خلقته ووجوده في الحياة، وأيضـًا لأهمية غرس القيم الإيجابية التي تتحدث بها الأديان ـ من محبة ورحمة وسعى نحو السلام ـ في عقول ووجدان الشعب، وأخيرًا لأهمية العمل.
أولاً: الإنسان والرسالة
تُعد قيمة الإنسان عند الله ـ جل جلاله ـ عظيمة؛ ففى المَسيحية، نجد أنه خُلق على صورة الله ومثاله في العدل، والرحمة، والمحبة، مع كَون هذه الصفات في الإنسان محدودة، لا مطلقة كوجودها في طبيعة الله ـ تبارك اسمه. وفى الإسلام، الإنسان هو خليفة الله في الأرض، خلقه لرسالة يحققها فيها ألا وهى إعمارها على كل نَوع. وفى هذا قال المتنيح البابا «شنودة الثالث»: «أنت تعيش لكى تؤدى رسالة نحو نفسك، ورسالة نحو غيرك، لكى تتمتع بالله هنا، وتذوق وتنظر: ما أطيب الرب! وأيضـًا في حياتك تختبر إرادتك ومدى انجذابها نحو الخير والشر. فحياتك فترة اختبار تُثبت بها استحقاقك لملكوت السماء، وتتحدد بها درجة حياتك في الأبدية. فعليك أن تُدرك رسالتك وتؤديها، وتكون سبب بركة للجيل الذي تعيش فيه. فبقدر ما تكون رسالتك قوية ونافعة، بقدر ما تكون حياتك ممجَّدة على الأرض، وفى السماء».
ثانيـًا: الإنسان والقِيم
تتفق الأديان في أهمية غرس القيم الإيجابية في النفس البشرية، من محبة ورحمة وعدل وتسامح وسلام، حتى يمكنها أن تعيش حياة سعيدة، ناجحة، بناءة. ومن الأمور الجيدة والمبعثة للأمل أن يتحدث السيد رئيس جمهورية مِصر العربية «عبدالفتاح السيسى»، يوم السابع والعشرين من رمضان ١٤٣٦هـ الموافق الرابع عشَر من يوليو ٢٠١٥م، عن أهمية الفَهم الحقيقىّ للدين وتأصيل القيم الإنسانية التي تقدمها الأديان إلى البشر، فيقول فخامته: «انشروا قيم السلام والمحبة ودفع السيئة بالحسنة وقَبول الآخر. أَعلِموا الجميع بأن الله خلقنا شعوبـًا وقبائل لنتعارف، فنتعاون لمصلحة الخير وعمارة الأرض التي استخلفنا الله فيها» أ. هـ، ثم تحدث عن «الثورة الدينية» التي تبعُد عن العنف فقال سيادته: «أنا لما تحدثت، في مثل هذا اليوم من سنة فاتت، كنت باتكلم على ثورة دينية؛ لما قصدت بالثورة الدينية هنا، ما كانش الهدف منها إن احنا نتكلم عن إجراءات حادة وعنيفة، لكن الهدف منها كان ثورة في الفكر والفهم والأداء تتناسب مع عصرنا اللى احنا موجودين فيه… احنا لازم نفهم كويس إن الثورة اللى أنا بأقصدها هنا… حفظ (القرآن) وحفظ نصوصه كان الهدف منه: إن المعانى لا تنحرف وتلوى النصوص، فعلى شان كدا حفظ (الذِّكر). لكن فيه حفظ تانى إحنا مسؤولين عنه: حفظ المفاهيم والأفكار حتى لا تنحرف بالشكل اللى إحنا شايفينه دا… شوفوا أنا عايز أقول لكم على حاجة: اوعى يكون منتهى مهمتك إنك تقف تقول خطبة طيبة، يوم جمعة، أو حتى في يوم الأحد في الكنيسة، لا، الموضوع أكبر من كدا بكتير… إزاى تعلِّموا الناس إنهم يحبوا بعضهم. اوعوا تكونوا فاكرين إن: (أفشوا السلام بينكم) إنك تقول: (السلام عليكم ورحمة الله) فقط، وبعدين تضربه بالنار! لا، (أفشوا السلام بينكم) دا: قيم السلام والمحبة بين الناس، قيم الاحترام والتقدير بين الناس…» أ. هـ.
ثالثـًا: الإنسان والعمل
في ظل ما يمر بالوطن من ظروف، وتدشين لمشروعات وطنية عملاقة، نجد أنه لا سبيل لنا إلا العمل من أجل رفعة بلادنا وتقدمها وازدهارها. فذلك النداء الذي قدَّمه السيد الرئيس في ختام كلمته، للعمل والبناء والتفانى من أجل الوطن، هو الطريق نحو ما نحلُم بتحقيقه لخير «مِصر» ومستقبل أبناء الوطن؛ فجاء على لسان فخامته: «أقول لكم: أعينونى بقوة، لنواصل بناء مستقبل هذا الوطن، ولنتخذ من هذا الشهر الكريم، الذي تُفتح فيه أبواب الرحمة، نقطة بداية نعاهد الله فيها على العمل الجاد والتفانى من أجل الوطن. وأريدكم أن تتفاءلوا دومـًا بالخير لتجدوه، حيث ستشهد المرحلة المقبلة إعلان مزيد من التدشين لكثير من المشروعات القومية الكبرى التي ستساهم في بناء وطننا وتأمين مستقبل أبنائنا؛ ليجدوا عيشـًا كريمًا وحياة طيبة. أدعوكم أن نجعل من العمل الصالح هدفـًا أسمى نسعى جميعـًا لتحقيقه، راجين رحمة الله وخير الثواب في الدنيا والآخرة.» أ. هـ.
ويتردد النداء إلى العمل وتأكيده في الأديان إذ تشترك في إبراز أهمية دَوره؛ ففى المسيحية جاء: «وَأَخَذَ الرَّبُّ الإلهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِى جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا»، وفى الإسلام: ﴿وقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾. وقيل أيضـًا: «أَنَّهُ إِنْ كَانَ أَحْدٌ لا يُرِيدُ أَنْ يَشْتَغِلَ فَلا يَأْكُلْ أَيْضـًا». وهكذا يُعد أحد أدوار الإنسان الأكثر أهمية في الحياة أن يعمل بأمانة وإخلاص في كل ما يُسند إليه من عمل ومسؤوليات، لأنه سيحاسَب عن عمله. وعن أهمية العمل ودَور الإنسان، قال فضيلة الأستاذ الدكتور «أحمد الطيب» شيخ جامع الأزهر في كلمته في اللقاء نفسه: «…والحق والباطل، وهو التكليف الذي ميَّز الله به الإنسان عن باقى مخلوقاته، ورفع به قدره، ومن أجله حمَّله المسؤولية عما كُلف به من عمل… ويأتى العمل الذي يمثل حجر الزاوية في بناء الأمم ونهضة الشعوب في مقدمة ما كُلف به الإنسان… ويخطئ من يظن أن عمل الخير الذي فرضه الله على الناس هو العمل المختص بالعبادة من صلاة وصيام وزكاة وحَج وعمرة، وأن المسلم إذا أدى ما عليه من فرائض وسنن ومندوبات فقد أصبح في حِل من أن يعمل أو لا يعمل، أو يتكاسل في عمله، أو يخون الأمانة فيما أُسند إليه من أعمال تتعلق بحياة الناس ومجتمعهم. إن هذا الاعتقاد الخاطئ، يقع فيه ـ مع الأسف ـ كثير من العاملين والموظفين والمسؤولين وأساتذة الجامعات والطلاب والطالبات، بل كثير من العلماء الذين يتصدرون لتعليم الدين للناس ونذروا أنفسهم للدعوة إلى الله. وشيئـًا فشيئـًا تكرس في وجداننا هذا الانفصام الردىء المغلوط بين قيمة العبادات وقيمة العمل مع تساويهما في المسؤولية أمام الله تعالى». أ. هـ.
وأضاف: «… إن واجب الشرع والوطن يُلقى على عواتقكم مُهمة ثقيلة اختاركم الله لها، وهى أن تقدموا أقصى ما تستطيعون من الجُهد والعرق من أجل رفعة هذا الوطن الكريم، واستعادة مجده وعِزه بأحرف من نور. وواجب المسؤولية يحتِّم علينا القول بأن أىّ مقابل يحصل عليه العامل أو الموظف دون أن يؤدى ما يوازيه من عمل جاد متقن، فإن هذا المقابل تشوبه الحرمة وأكل أموال الشعب بالباطل.
إن مِصرنا في أمَس الحاجة، في هذا الوقت الصعب، إلى الأيادى الخشنة، وإلى العزمات الصادقة، وإلى التضحية والجِد والعرق والبذل والفداء؛ وذلك حتى تنهض مِصرنا العزيزة من كبوتها، وتتمكن من تجاوز هذا الظرف الراهن الذي تنوء به. وعلى جميع فئات الشعب: أن تتكاتف وتقف صفـًا واحدًا، لتجابه قوى الشر والطغيان التي تكيد لهذا البلد العريق، ولتقاوم هذا الإرهاب اللعين الذي يخطف بخِسة وغدر أرواح أبنائنا الأطهار وأصغرهم ـ في عيوننا وقلوبنا ـ أعز من الدنيا وما فيها». أ. هـ.
كل عام وجميعكم بخير و… وعن مِصر الحُلوة الحديث لا ينتهى…!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافىّ القبطىّ الأرثوذكسىّ
No Result
View All Result