No Result
View All Result
تحدثنا في المقالة السابقة عن نماذج لأبطال «مِصر» من الجيش المِصرى الجديرة بفخر كل مِصرى، التي بمحبتها وتضحياتها صارت تهِب قوة تشُد من أزرنا جميعـا للعمل والبناء من أجل هذا البلد العظيم. تحدثنا عن الفريق الأول «عبدالمنعم رياض» الذي صار يوم استشهاده يومـًا للشهداء، ورقيب «مُحمد فوزى ناجى سالم البرقوقى» الشهيد في عملية ضرب «ميناء إيلات» بعد نجاح باهر في أداء مهمته، في السادس عشَر من نوفمبر عام ١٩٦٩م، وهو لم يكُن وقتئذ قد تخطى الثامنة والعشرين عامـًا! كما تحدثنا عن بعض من أدوار أهل «سيناء» وتضحياتهم في مساعدة قواتنا المسلحة. ثم بدأنا الحديث عن أبطال آخرين قدموا حياتهم فداء «مِصر» في «حرب أكتوبر».
اللُّواء أركان حرب «شفيق مترى سدراك»
القائد الأول للُواء المشاة عبر القناة بـ«الفرقة ١٦» بالقطاع الأوسط من «سيناء» للجيش المِصرى. شارك في صد العُدوان الثلاثى، و«حرب ١٩٦٧م»، و«حرب الاستنزاف»، ثم «حرب أكتوبر» التي استُشهد في رابع أيامها. جمع بين النُّبوغ في المجال العلمى وبين شجاعة الأبطال وإقدامهم ليكون أول من نال وسام «نَجمة سيناء».
وُلد «شفيق مترى سدراك» عام ١٩٢١م، في قرية «المطيعة» محافظة «أسيوط»، وعاش في «منشأة يوسف حنا» مركز «شبراخيت» محافظة «البحيرة». قادته شجاعته وإقدامه لاتخاذ قرار الالتحاق بـ«الكلية الحربية»، فنبغ وتفوق فيها حتى عُين عضوًا للتدريس حيث درّس مادة «التكتيك وفن القتال». لم تتوقف رغبته في تحصيل مزيد من العلم فكان من أوائل الذين حصلوا على شهادة «الأركان حرب» برتبة «رائد»، كما حصل على شهادة «أكاديمية ناصر العليا» بتفوق.
يمتلئ تاريخ اللُّواء «شفيق مترى» بالعديد من البطولات؛ ففى «حرب ١٩٦٧م» قاد كتيبة مشاة في منطقة «أبوعجيلة» في «سيناء»، في واحدة من المعارك المتميزة لقواتنا المسلحة آنذاك، أثبت فيها قدرته على القيادة المتميزة إذ حمَّل العدو خسائر هائلة في الأرواح والعتاد. ولم تَثنِ الهزيمة عن عزيمته وإيمانه بالنصر القادم، مؤمنـًا أن شمس النُّصرة سوف تشرق حتمـًا. ففى أثناء «حرب الاستنزاف»، عبر برجاله إلى «سيناء» من «بورسعيد» و«الدفرسوار» شرقى البلاح والفردان وجنوبيهما، وقاتل العدو في معارك «الكمائن»، في الأعوام ١٩٦٨ و١٩٦٩ و١٩٧٠م، ما كان لها أعظم الأثر في العدُو.
وتَبزُغ شمس يوم الانتصار مع قيادة اللُّواء «مترى» لأول لُواء مشاة عبر القناة التابع «للفرقة ١٦» من الجيش الثانى الميدانى، فيصل بقواته إلى قرب «الممرات» بالقطاع الأوسط من «سيناء». كان البطل المِصرى يُجيد فن القتال بالدبابات في الصحراء. وفى «معركة النصرة» حقق أمجد المعارك الهجومية ومعارك التحصين ضد الهجوم الإسرائيلى. كان مؤمنـًا بالانتصار، واثقـًا بهمة وعزيمة الرجال الأبطال، إذ قبْل الحرب بساعات قليلة، جمع آنذاك عميد «شفيق مترى سدراك» جنوده، حاثـًا إياهم على خوض الحرب، فقال: إن أبناء «مِصر» من عهد «مينا» إلى الآن ينظرون إليكم بقلوب مؤمنة وأمل باسم، وقد آن الأوان أن ترفرف أعلام «مِصر» على أرض «سيناء»…. وبدأت المعركة، في رابع يوم من الحرب، التاسع من أكتوبر ١٩٧٣م، وقلوب الجميع تحُثهم على القتال من أجل الوطن بكل شجاعة وإقدام، فإذا العميد «مترى» يُستشهد! إذ وهو يؤدى واجبه الوطنى، عندما كان يقاتل بجنوده في «سيناء» داخل عمق بلغ مداه قرابة ١٤ كيلومترًا، تقدَّمهم في مثال وقُِدوة لهم إلى مسافة كيلو متر كامل في عمق «سيناء»؛ لتصيب دانة مِدفع إسرائيلى سيارته ليُستشهَد هو ومن معه، مقدمين كل حب وتضحية لأجل الوطن، ويُحفر اسمه في تاريخ «مِصر».
الرقيب «سيد زكريا خليل»
أحد أبطال أكتوبر الذي أطلقت عليه الصحف الأجنبية «أسد سيناء». ظلت قصة هٰذا الجندى الشجاع حبيسة طوال ٢٣ عامـًا، إلى أن كُشف عنها في حفل كان يحضُره عدد من الدبلوماسيين، منهم السفيران الإسرائيلى والمِصرى، في عام ١٩٩٦م في «برلين»؛ فأراد الله أن يُظهر قصة هٰذا البطل أمام العالم بأسره.
إنه جندى مِصرى باسل من «سلاح المظلات» المِصرى، استطاع وحده إيقاف كتيبة كاملة من الجيش الإسرائيلى بعد استشهاد باقى فصيلته في الحرب! كان في عداد المفقودين في «حرب أكتوبر» ١٩٧٣م، حتى أعلن استشهاده السفير الإسرائيلى الذي شارك في الحرب، مقدمـًا متعلقاته التي احتفظ بها معه طوال هٰذه الفترة، وهى: سلسلة الجندى المِصرى الشخصية، وخطاب منه إلى والده، مع بعض الأوراق المالية، لتُحفر قصته في تاريخ الأبطال وذاكرة «مِصر».
وُلد «سيد زكريا خليل» في قرية «البياضية» بمدينة «الأقصر» عام ١٩٤٩م. كان له قدرة على التحمل والصبر والعزيمة والإصرار فاختير في قوات «الصاعقة». وفى السابع من أكتوبر عام ١٩٧٣م، كُلف، حينذاك، عرّيف «سيد زكريا» أن يتوجه مع مجموعة من أبطال «الصاعقة» إلى عمق «سيناء» على الجانب الآخر من منطقة «الممرات»، إلى جبل «الجلالة»، لمنع تقدم قوات العدُو، واجتياز أحد تلك الممرات مدة ٢٤ ساعة، لإتاحة الفرصة أمام أبطال القوات المسلحة لعُبور «قناة السويس». وعند نقل المجموعة إلى منطقة العملية، رفض البطل المِصرى أخذ معلبات أطعمة، طالبـًا تغييرها بذخيرة لقتال العدو! وكان له ما طلب.
وصل الأبطال إلى مكان العملية المطلوبة لينتشروا في المِنطَقة بعد الاختباء وتشوين الذخائر. وفى عصر ذٰلك اليوم، وصل إلى مسامعهم صوت من جنازير دبابات العدُو قادمة، تؤمّن تقدمهم طائرة مِروحية. ومع انفجار لغم مضاد للمدرعات في إحدى دبابات العدُو، شُلت حركة العدُو، وبدأ الأبطال في إلقاء القذائف عليه ما أدى إلى تقهقره. عاد العدُو إلى المِنطقة؛ لتبدأ معركة من أشرس المعارك بين القوات المِصرية والإسرائيلية؛ وعلى الرغم من الخَسارة التي حدثت باستشهاد بعض أبطال «مِصر» من «الصاعقة»، فإن «سيد زكريا» قام مع أحد رفاقه بإسقاط طائرة للعدُو ليُجَن جُنونه ويُرسل قوات بلغت مئة مِظلى إسرائيلى! اشتبك أبطالنا الذين ظلوا على قيد الحياة هم والعدُو لإتمام المُهمة على مدار عدة ساعات، حتى وجد «سيد زكريا» نفسه وحيدًا بعد استشهاد جميع رفقائه. لٰكنه لم يستسلم، بل بدأ في الانتقال من موقع إلى آخر ليستخدم أسلحة زملائه في مقاومة العدُو. وما إن كان يفرغ السلاح من الذخيرة، حتى كان يُسرع بالانتقال إلى موقع آخر إلى درجة أن العدُو كان يشعر كأن كتيبة كاملة تقاتله!!
استطاع الجندى الإسرائيلى ـ الدبلوماسى الذي كشف لنا سيرة هٰذا البطل ـ الوصول إلى البطل المِصرى، وهو تعتريه الدهشة من ذٰلك الشخص الذي استطاع منفردًا القضاء على فرقته كاملةً. وما إن هم عرّيف «سيد» بالتحرك، حتى كان الإسرائيلى يضغط على زناده، ليُستشهد البطل المِصرى الذي استطاع أن يوقف تقدم كتيبة إسرائيلية وحده. خلع الجندى الإسرائيلى سلسلة البطل العسكرية ومحفظته، ثم قام بدفنه، وأطلق ٢١ طلقة تحية لهٰذا الأسد. ويهمس السفير الاسرائيلى قائلاً: «لم يكُن جنديـًّا، كان أسدًا!! أسد سيناء. قتل بمفرده عشرات من جنودنا وتصدى لرَتَل من الدبابات!!». وهٰكذا يسجل التاريخ أحد مشاهد التضحية الجَسور لـ«سيد زكريا خليل» بطل «مِصر» و… ولايزال الحديث عن «أبطال أكتوبر» مستمرًا وعن «مِصر الحلوة» لا ينتهى…!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافىّ القبطىّ الأرثوذكسىّ
No Result
View All Result