استأذنكم يا إخوتى وأعزائى محبى «مصر الحلوة» فى دعوتكم للحديث عن سعادة بعيد؛ يُضفى على مِصر جمالًا فوق جمال عندما يتوحد ويتناغم ويتشارك أفراد الشعب الواحد فى الاحتفال بالأعياد معًا. ومع الاحتفال بعيد «الفطر»، نتقدم بالتهنئة إلى مِصر وشعبها العظيم ـ الشعب الذى باركه الله ـ نهنئ رئيسها، ونهنئ أفراد قواتها المسلحة وقوات شرطتها، ونهنئ رئيس وزرائها ووزراءها، شيوخها وعلماءها، صناعها وفلاحيها، شبابها وشاباتها، رجالها ونساءها، شيوخها وأطفالها، كما نهنئ أيضًا الأمة الإسلامية والأمة العربية.
وكلمة عيد جاء أصلها من «عاد – يعود»، وقد قال ابن الإعرابى: «سُمى العيد عيدًا لأنه يعود كل سنة بفرح مجدَّد». (لسان العرب 3-319).
1.الأعياد فى العصور المتعددة
بدأ الاحتفال بالأعياد فى مِصر منذ فجر تاريخ الدولة المِصرية العريقة. وقد كانت الأعياد الفرعَونية التى اهتم بها المِصرى القديم مرتبطة بالمعبودات المختلفة للشعب؛ فأقاموا فيها أفراحًا عظيمة، تُغنَّى فيها أناشيد جماعية فى المواكب مع أصوات القيثارات. وكان يُحتفل بكل معبود فى عيد خاص به، يحمل فيه الكهنة تمثاله فى موكب يشارك فيه الجميع.
2. الأعياد اجتماعيًا
العيد يرتبط بالمشاركة، فيُعد الجانب الاجتماعى فى الاحتفال بالأعياد من أهم معالم فرحة العيد. فالتشارك من خلال تبادل الزيارات للعائلة وللأصدقاء والجيران تُضفى الفرحة والبهجة على العيد؛ وبخاصة بين أشخاص كانوا على خلاف أو دبت المشكلات بينهم. إن الأعياد تُعيد تقارب العائلات والأصدقاء معًا فى جو من المرح؛ مما يُذيب الخلافات والشِّقاقات التى زادها الزمن بين الناس.
3. العادات
أ. صُنع الكعك
تعود عادة صنع كعك العيد فى مِصر إلى الفراعنة. فقد ذكر بعض الباحثين أن اسم «كعك» مُشتق من الفعل «عكعك» ويعنى فى اللغة الفرعونية «عجن». وكان يُقدم الكعك والأقراص كقرابين ونذور وتقدِمات لمعبوداتهم.
وفى أيام الدولة الطولونية، كان يُصنع الكعك فى قوالب خاصة كُتب عليها «كُلْ واشكر».
وفى العصر الإخشيدى، كان الوزراء يأمرون بحشو الكعك بالدنانير الذهبية وسُمى «افطِن إليه».
أما فى العصر العثمانى، فقد كانوا يقدمونه إلى الفقراء كصدقة.
وظل اهتمام الأُسر المِصرية بعمل كعك العيد ساريًا فى العصور التالية حتى يومنا هٰذا.
ب. الملابس الجديدة وهبة العيد
وباقتراب العيد، تقوم الأُسر بشراء الملابس الجديدة وبخاصة للأطفال؛ لاستقبال العيد فى أبهى منظر، كما يقوم رب الأسرة أو كبير العائلة بتوزيع هبات العيد المالية (العيديات) على الأطفال فى يوم العيد البهيج.
ج. زيارة الموتى
ويحرِص كثير من الناس على زيارة الموتى يوم العيد للتصدق على أرواح من فارقوهم بالجسد متذكرين إياهم فى هٰذه الفترة.
4.مظاهر العيد فى عدد من البلاد
أ. السَّعودية
تبدأ مظاهر العيد فى السَّعودية بشراء الملابس والأطعمة قبل العيد مع إعداد الحلوى الخاصة بالعيد. وفى صباح يوم العيد، يتجمع الناس للصلاة، ثم يتبادلون التهنئة بالعيد فى عبارات مثل: «كل عام وأنتم بخير»، و«عساكم مِن عواده»، ثم تبدأ الزيارات العائلية واستقبال الضيوف والأقارب.
ب. الإمارات
أمّا فى الإمارات، فتُجهَّز المنازل لاستقبال العيد، وتشترى الأسر الملابس الجديدة، وتضع البنات والنساء الحِنّاء على أيديهن، ويُجَهِّزن طعام العيد: «اللُّقَيمات»، و«البلاليط»، وغيرها، وبعض الحلوى. ثم يبدأ العيد بالصلاة، وبعدها يُشارك الجميع فى رقصة شعبية تُدعى «الرزقة».
ج. العراق
تبدأ مظاهر العيد فى العراق بتجهيز الألعاب الهوائية للأطفال، وتجهز النساء «الكليجة» ـ المعمول المحشو الذى يقدم إلى الضيوف ـ مع قطع الحلوى. وبعد تناول الإفطار، تبدأ الزيارات العائلية بالوالدين، ثم معايدة الأقارب فالأصدقاء، ثم إعطاء (العيدية) للأطفال الذين ينطلقون إلى اللعب بالأراجيح.
د. اليمن
وفى اليمن، تبدأ مظاهر الفرح بالعيد مع أيام شهر رمضان الأخيرة: فيبدأ الكبار والصغار فى تجميع الحطب أكوامًا لحرقها ليلة العيد تعبيرًا عن الفرح بقدومه، كما يشرع أهالى القرى فى توزيع لحوم الذبائح على الأصدقاء والجيران، ويُقَضّون أيام العيد فى مجالس يتبادلون فيها الحديث، ويقيمون الرقصات الشعبية والدبكات.
هـ. السودان
وفى السودان، تبدأ مظاهر العيد فى إعداد أصناف الحلوى المتنوعة من الكعك والغُريِّبة والـبيتى فور petit four والـسويسرول Swiss rôle. وبعد صلاة العيد، يتبادل الناس التهنئات ويتوافدون على منزل أحد الكبار وكل منهم يحمل إفطاره. ثم يخرجون جماعاتٍ لزيارة المرضى وكبار السن. وفى المساء، تبدأ الزيارات العائلية وللأصدقاء.
و. فلسطين
أمّا فى فلسطين، فيؤدى الناس الصلاة، ثم تبدأ الزيارات وتُقدَّم الحلوى الشعبية للضيوف مثل: «المعمول»، و«اليحميك»، و«المدلوقة». أمّا الأطفال فيحتفلون بالعيد بالغناء واللَّعِب.
ز. البحرين
وفى البحرين بعد أداء الصلاة، يُجهَّز صحن كبير ممتلئ بالفاكهة والحلوى للضيوف. ويجتمع أفراد العائلة مع الأقارب لتناول الطعام معًا.
ح. الكويت
وفى الكويت، يرتدى الأطفال الملابس الجديدة ويأخذون (العيدية) وينتقلون بالسيارات إلى مناطق عديدة للتنزه.
ط. سوريا
أما فى سوريا، فمظاهر العيد تبدأ بتجهيز الأراجيح وألعاب الأطفال فى الحدائق وأمام المنازل. ويشترى الناس حلوى العيد مثل «السكاكِر» و«الشيكولاه»؛ حيث تختلف الحلوى السورية من مكان إلى آخر فى القطر السورى. وفى يوم العيد بعد الصلاة، يزور الجميع القبور، ثم يعودون إلى المنازل استعدادًا لزيارات الأقرباء.
ى. ليبيا
وفى ليبيا، يُحَيِّى الناس بعضهم البعض بعد الصلاة، ثم يتوجهون إلى المنازل وتُقدَّم حلوى: «الفطيرة»، و«الدبلة»، و«الغريبة»، و«الصويبعات». ويُقَضِّى الأطفال العيد فى الأماكن الترفيهية واللَّعِب.
ك. الجزائر
أما فى الجزائر، فتذهب العائلات فى زيارات للأهل والأقرباء بعد أداء الصلاة وتبادل التهنئات. وتُقدَّم الحلوى الشهية المتنوعة مع «المقروط» و«البقلاوة»، كما تقدِّم العائلات الحلوى والنقود إلى الفقراء، وتزور الأطفال المرضى فى المستشفيات، وكبار السن فى دُور المسنين.
ل. المغرب
وفى المغرب، تمتلئ السماء بالألعاب النارية بعد الصلاة وتبادل التهنئات، ثم تتجمع العائلات لتناول الطعام وحلوى العيد المتعددة التى تُقدَّم للضيوف مثل: «الشباكية»، و«القريشلة»، و«ملوى» و«مسمن»، و«كعب الغزال». وتتميز المغرب بامتلاء أحيائها بمباريات كرة القدم والألعاب البهلوانية.
م. المهجر
أما العيد فى بلاد المهجر، فيكون بارتداء الملابس الجديدة، وقضاء الوقت مع الأسرة فى تناول الطعام وتبادل الهدايا، بعد أداء الصلاة فى الساحات المخصصة للصلاة.
5.العيد فى مِصر
تبدأ مظاهر العيد فى مِصر بشراء الملابس الجديدة للأطفال، وتزيين الأحياء، واستعداد المخابز لعمل كعك العيد، والغُرَيِّبة، والبيتى فور petit four، والبسكويت biscuit الذى هو سمة أساسية فى عيد الفطر. وفى يوم العيد، يقوم الناس بالصلاة وتبادل التهنئات بالعيد، وتُتبادل الزيارات بين الأسر والأصدقاء.
6.سمات الأعياد فى مِصر
تتسم الأعياد فى مِصر بالعديد من الصفات والمفاهيم المشتركة؛ فسواء للمسلمين أو للمسيحيين، فهى لذِكر الله، ولتذكُّر الآخرين ومشاركتهم الفرح والابتهاج.
تأتى الأعياد بعد فترة من الصوم، يعقبها الاحتفال بالعيد، فيصوم المسلمون قبل عيد الفطر شهرًا. ثم يبدأ الاحتفال بالعيد فى اليوم الأول من شهر شوال بعد انقضاء صوم شهر رمضان. ويحتفل به المسلمون فى جميع أنحاء العالم؛ يرتبط العيد بالصوم الذى يسبقه. والصوم دائمًا يرتبط بالصلاة والصدقة؛ مما يجعل الإنسان يرتفع روحيًا من خلال قدرته على الصوم وارتباط العقل بذكر الله فى الصلاة، والشعور بالفقير من خلال الصدقة، فتأتى فرحة العيد مكللة بهٰذا العمق الروحى الذى عاشه الإنسان وتذوق جماله فى فترة الصوم المبارك.
تبدأ احتفالات العيد بالصلاة، وتُؤدَّى صلاة عيد الفطر فى صباح العيد بعد شروق الشمس بثلث ساعة تقريبًا. وهٰكذا يرتبط مفهوم العيد بالله ليأخذ صِبغة روحية ترفع روحيات الإنسان إلى مستوى أعمق من محبة الله ومعرفته وشكره. فأفراح العيد دائمًا مصدرها الفرح بالله ومن الله؛ فيقول القرآن: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ سورة يونس 58، كما يذكر الكتاب: «اِفْرَحُوا فِى الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، وَأَقُولُ أَيْضًا: افْرَحُوا.» (فيلبي4:4).
نطلب ونصلى إلى الله أن يجعل كل أيام «مصر الحلوة» وأعيادها أيام بركة وهدوء وسلام وبهجة لكل شعبها، و… والحديث عن مِصر لا ينتهى!
الأسقف العام ورئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى.