أهنئ إخوتنا المسلمين فى «مِصر» والعالم العربى والعالم بأسره ببَدء شهر «رمضان»، متمنيًا كل الخير والسلام لبلادنا وللمَِنطَِقة وللعالم.
تُعد مدة الصوم من أجمل الأيام وأقربها إلى قلب المِصريين الذين عُرفوا على مدار تاريخهم العميق بمحبتهم الشديدة لله، تبارك اسمه، لأنهم أدركوا أن مدة الصوم يتحرر فيها الإنسان من ذاته، مدربًا نفسه على إخضاع جسده وإرادته بعيدًا عن رغباته متجها نحو محبته لله.
ودائمًا ما يكون لـ«رمضان» فى «مِصر» طابع مميز فى الاحتفال: من اجتماع العائلات والأسرات على مائدة الإفطار، واستقباله بالفانوس المميز الذى يعلن قدومه، والذى أكدت الأبحاث ارتباطه ارتباطًا وثيقًا بالمِصريين على الرغم من تعدد الروايات بشأن بَدء استخدامه وظهوره، مع ترديد كلمات تلك الأغنية المِصرية القديمة «وحوى يا وحوى». ويشير الخبير الأثرى المِصرى د. «عبدالرحيم ريحان» إلى أن أصل كلمة «وحوى يا وحوى» هو «مِصرى»، إذ إنها كانت تُغنى قديمًا للقمر: فكلمة «أيوح» فى المِصرية القديمة تعنى «القمر»، ثم صارت فى العصر الفاطمى تحية مختصة بـ«هلال رمضان».
وأهم ما يعيشه الإنسان فى مدة الصوم يرتبط كثيرًا بالصلاة وبأعمال الرحمة. فإن كان الصوم هو إخضاع الإنسان نفسه وجسده بمنأى عن رغباته فيقوم بالتحكم فى شهوة الطعام والشراب من خلال الصوم، مدربًا نفسه على الاحتمال والصبر ومعاملة الآخرين بلين ورفق، فإن الصلاة التى تصاحب الصوم هى اقتراب النفس إلى الله بالحديث إليه وبتغذيتها من سلامه الإلهى الذى يملأ فكر الإنسان وقلبه فى أثنائها وطوال يومه.
أيضًا يرتبط الصوم على نحو وثيق بأعمال الرحمة التى هى ثمينة جدًّا عند الله، لأنه يبُث شعور الرحمة داخل الإنسان فيسارع بإعطاء المحتاجين. إن الإنسان لا يمكنه أن يدرك مشاعر شخص آخر بدرجة دقيقة إلا عندما تمر به خبرات متشابهة مع حال ذٰلك الشخص.
ولذلك فالصائم يشعر بمدى احتياج المُعْوِزين الذين قد تمر على بعضهم أوقات وجبات متتالية لا يتناولون فيها طعامًا!! فى الوقت الذى قد تمر على بعض آخر منهم أيام لا يجدون فيها أقواتهم!! ومن هٰذا المنطلق الإنسانى العميق اشتُهر «رمضان» بـ«موائد الرحمن» التى تدعو الجميع إلى المشاركة فى الإفطار، فيتشارك المِصريون جميعًا أسرةً واحدةً طعامهم فى محبة ووئام. كذلك لا يمكننا أن ننسى الموائد الرمضانية التى ��انت تقام فى كل من المقر البابوى بالعباسية و«الأزهر» و«وزارة الأوقاف»، جامعةً مثلث الرحمات «البابا شنودة الثالث» وفضيلة الإمام الأكبر ووزير الأوقاف، ومن ثَم بين المسلمين والمَسيحيين فى الوطن، مقدِّمةً أحد مشاهد تلاحم الشعب المِصرى فى الاحتفالات والمناسبات بصفته عائلة واحدة يضمها الوطن الواحد.
كل عام وجميعنا بخير.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى