تمضى الأيام وتعبر بأجيال تتعاقب هى وأجيال أخرى، فلا يترك كل منها إلا ذكرى جميلة فى الأذهان والقلوب، ولمحات من السعادة التى ترتسم على الوجوه، فى إجلال وتقدير لكل ما هو إنسانىّ يملأ حياة البشر بالأفراح؛ ومن تلك الأيام، تعلمنا أن نتشارك الأعياد والاحتفالات التى اعتدنا أن تُسرى البهجة فى الكِيان المِصرىّ كله؛ لذٰلك أود أن أهنئ إخوتنا المسلمين فى «مِصر» والعالم العربىّ والعالم بأسره بـ«عيد الفطر»، متمنيًا للمِصريِّين جميعًا كل سعادة، ولبلادنا العزيزة كل خير وسلام وازدهار.
والأعياد وإن كانت تختلف مظاهر الاحتفال بها من شخص لآخر إلا أنها تتفق جميعًا فى عدة مفاهيم، أهمها:
التشارك يرتبط العيد، وفى مِصر على وجه خاص، بملامح السعادة التى تضم أفراد الأسرة الواحدة المجتمعين معًا، فى الأغلب فى بيت الكبير، حيث تتلاقى الأجيال وتتواصل فى خط لا ينفصل، ليتشاركوا الأفراح التى تلقى بملامحها البهية على غربة أيامنا وثقلها، وهٰكذا تتوطد أواصر الأسرة الواحدة وتتعمق.
أيضًا تمتد المشاركة بين أفراد الوطن الواحد، فى مشهد ملحمىّ كبير يجمع أفراد عائلة الوطن الكبيرة فى أفراح المشاركة بالعيد، كما فى آلام الأحزان التى تمر به، فتتوارد أمام ذهنى تلك الصور الجميلة التى عشناها جميعًا حين تسمع طرقات على باب المنزل فتجد صديقًا أو جارًا أسرع إليك مقدمًا التهنئات، فى نبرات صوت تحمل معها نبض الود والمحبة والمشاركة «فرِحًا مع الفرحين». وهكذا دائمًا «مصر» أيقونة الوطن الواحد بمسلميه ومسيحيِّيه؛ ولِمَ لا، والجميع يعيشون فى الوطن الواحد، يخطّون معًا صفحات التاريخ الذى يجمع أسرة الوطن الواحد؟! هكذا تعلمنا، وهكذا نشأنا، وهكذا عشنا. أيضًا فى الأعياد، نرى نوعًا آخر من التشارك حين يتذكر الإنسان القادر أخاه الإنسان غير القادر ليتشاركا فرحة العيد؛ إنها مشاركة المحبة والرحمة والرأفة التى تسرى من هٰؤلاء الذين يملِكون إلى أولٰئك الذين لا يملِكون، من قلوب امتلأت بمحبة فياضة تقدم مما وهب لها الله إلى آخرين محتاجين ومعوزين من مساكين وفقراء وأيتام كلٍّ على حسب نوع احتياجه. لقد اعتاد المِصريُّون، على نحو واسع، أن يكون عطاؤهم هو مصدر سعادتهم الحقيقىّ فى أعيادهم لتَضحَى فرصًا سانحة لإسعاد الآخرين. وإن كان العطاء هو إحدى وسائل الإنسان لتقديم الشكر إلى الله ـ تبارك اسمه ـ من أجل خيراته وبركاته الكثيرة التى لا تُعد ولا تُحصى، ولرسم الفرحة فى قلوب البشر، فإنه فى حقيقة الأمر هو مصدر سعادة حقيقية لمن يقدم ويُعطى؛ إنها سعادة العطاء التى لا تعادلها كُنوز الكون بأسره! ولا تُدركها إلا القلوب التى عرفت الطريق إليها. لكن فى الوقت نفسه، علينا أن ندرك أن المقصود بهٰذه المشاركة ليست الأمور المادية وحدها، بل توجد أنواع متعددة من المشاركة ومستويات متنوعة من العطاء: كزيارة إلى جيرانك أو أصدقاء لك ليس لهم أحد يذكرهم ترسُِم السعادة عليهم فى العيد، ومثل أن تقدم تعاطفًا لقلوب متألمة فى يوم العيد. أيضًا يرتبط العيد بمفهوم التسامح: فما أجمل أن تمتلئ أعيادنا بالقلوب النقية التى تنسى الإساءة ليسعد الجميع معًا!. كل عام وجميعكم بخير و… والحديث عن «مِصر الحلوة» لا ينتهى!.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى