تحدثنا فى المقالة السابقة عن الخليفة «المُعتمِد على الله»، وأخيه «الموفَّق» الذى أستأثر بحكم البلاد الفعلى لضعف «المُعتمِد»؛ وقد ذكرنا «ثورة الزنوج» التى استمرت أربعة عشَر عامًا تقريبًا، وقيام «الدولة اليزيدية» و«الدولة الصَّفّارية»، فى الوقت الذى كانت «مِصر» فى حكم «أحمد بن طولون». أمّا عن عَلاقة «الدولة العباسية» فى زمن «المُعتمِد» و«الموفَّق» بـ«الدولة البيزنطية»، فكانت تتسم بكثير من المناورات والحروب؛ وقد ذكرنا سابقًا خروج «أحمد بن طولون» لمحاربتهم.
وكان فى عام 278هـ (891م) أن مرِض «الموفَّق» وهو فى ميدان القتال فعاد إلى «سامَرّا»، لٰكن المرض اشتد عليه فعمِل على نقل ما لديه من سلطات إلى ابنه «المُعتَضِد» الذى كان محبوبًا من الشعب والجند ونجح فى ذٰلك؛ ولم تدُم خلافة «المُعتمِد» بعد ذٰلك طويلاً إذ تُوُفِّى عام 279هـ (892م)، وكانت «مِصر» حينذاك فى حكم «خُمارَوَيْه» ابن «أحمد بن طولون».
خُمارَوَيْه 270هـ (884م- 896م)
يلقب بـ«أبى الجيوش» إذ قيل إنه تولى قيادة الجيوش فى سن صغيرة وهو دون العشرين، واهتم اهتمامًا كبيرًا بالجيش فى ظل ما كان يواجهه من تحديات بعد موت أبيه. تولى «خُمارَوَيْه» حكم «مِصر» و«الشام» بعد موت أبيه «أحمد بن طولون» عندما بايعه الجند؛ وقد ذكر المؤرخون أنه مع توليه أمور الحكم أمر بقتل أخيه «العباس» الذى كان مسجونًا بعد ثورته على أبيه «أحمد بن طولون» قبلاً، معللين ذٰلك بعدم مبايعته إياه.
هزائم وانتصارات
مع بَدء حكم «خُمارَوَيْه» أرسل جيوشه إلى «الشام» بقيادة «أبى عبدالله الواسِطِى»، وجيوشًا أخرى بقيادة «سعد الأيسر»، إلا أن «الواسِطِى» كان يخشى بطش «خُمارَوَيْه» إذ كان هو من أشار عليه بقتل أخيه «العباس» فيذكر «ابن تَغْرى»: «فكتب «الواسِطِى» إلى «أبى أحمد الموفَّق» يصغِّر أمر «خُمارَوَيْه» عنده ويحرضه على المسير لقتاله…». وهٰكذا اندلعت شرارة الحرب بين «خُمارَوَيْه» وجيوش العباسيِّين بقيادة «ابن الموفَّق» فهُزم جيش «خُمارَوَيْه»؛ فخرج إليه «خُمارَوَيْه» مرة ثانية فمنى بهزيمة أخرى وعاد إلى «مِصر». إلا أن الجيوش التى كانت بقيادة «الأيسر» خرجت إلى الحرب من كمينها دون علم بأمر الهزيمة، فحارب «الأيسر» «ابن الموفَّق» وهزمه ودخل دمشق مع «الواسِطِى» واستولى عليها لنفسه. وحين علم «خُمارَوَيْه» بما حدث عاد إلى «دمشق» وحارب «الأيسر» حتى انتصر عليه وقتله وأعاد «دمَِشق» تحت حكمه. استمرت الحرب بين «خُمارَوَيْه» والعباسيِّين بين مهزوم ومنتصر حتى تمكن «خُمارَوَيْه» من هزيمتهم ووصوله إلى «سامَرّا» فعظُم أمره.
كسر شوكة الحرب
أرسل «خُمارَوَيْه» إلى «الموفَّق» يطلب الصلح فكان له، وأرسل «المُعتمِد» و«الموفَّق» وابنه كتابًا إلى «خُمارَوَيْه» بولايته على «مِصر» و«الشام» والثُّغور مدة ثلاثين سنة. عاد «خُمارَوَيْه» إلى «مِصر»، وأمر بعودة الدعاء «للموفَّق» بعد الخليفة مرة ثانية؛ وهٰكذا استتبت الأمور لـ«خُمارَوَيْه» فى «مِصر» وهدأت وطأة الحروب على البلاد، وبدأ فى الاهتمام بإدارة شُؤون البلاد حتى عام 275هـ (889م) الذى شهِد بعض الاضطرابات والحُروب فى «الشام».
مصاهرة
بعد وفاة كل من «الموفَّق» ثم «المُعتمِد»، تولى أمور الخلافة «المُعتَضِد ابن الموفَّق». وقد أرسل «خُمارَوَيْه» الهدايا الثمينة إلى الخليفة «المُعتَضِد» ثم زوّجه بابنته «قطر الندى» عام 281هـ (894م) فآلت الأمور إلى المودة والوفاق، فيذكر «ابن تَغْرى»: (ولما تصاهر «خُمارَوَيْه» و«المُعتَضِد» زالت الوَحشة من بينهما، وصارت بينهما مودة كبيرة. وولاّه «المُعتَضِد» من «الفرات» إلى «بَرْقة» ثلاثين سنة.. على أن «خُمارَوَيْه» يحمل إلى «المُعتَضِد» فى العام مئتى ألف دينار عما مضى، وثلاثمائة ألف دينار عن المستقبل…»!! و… والحديث عن «مِصر الحلوة» لا ينتهى…!
الأسقف العام، رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى