وصلتنى هٰذه الرسالة، تعليقًا على مقالة الأسبوع الماضى «باقى.. تاريخ.. يمشى بيننا»: «رحِم الله (فلتة) القوات المسلحة المِصرية اللواء البطل «باقى زكى»! أحد من ساهموا وبفاعلية فى تحقيق نصر أكتوبر. إن مقالكم، سيادة الأنبا، فى «المِصرى اليوم» وغيره من المقالات لم يوفِ حق الرجل الذى أحب «مِصر» وجيشها بعنف؛ هٰذا البطل المتواضع الذى كان يجهّز بنفسه إفطار الصائمين من العمال ممن كانوا يعملون تحت رئاسته إبان مشاركته فى بناء «السد العالى»، ضاربًا أروع الأمثال فى حنوّ رئيس العمل على مرؤوسيه، وهو ما جعلهم يدخلون فى نَوبة بكاء عقب انتهاء ندبه وعودته للقوات المسلحة».
وللحق، أتفق أنا وصاحب الرسالة أن الكلمات تأتى باهتةً واهية، حين نحاول أن نعبّر عن شخصيات عظيمة أمثال اللواء أ. ح. م «باقى زكى يوسف»، ونصف عظمتها المصحوبة بتواضع شديد ومحبة عميقة نحو الجميع.
لقد اتسمت شخصية اللواء «باقى زكى» بالمحبة للجميع، كما كان مخلصًا وفيًّا لعهوده مع الجميع. وهنا أحب أن أذكر أحد المواقف التى حدثت فى أثناء «حرب أكتوبر» وهو يعكس إنسانيته وإخلاصه العميقين وقد ذكر هذه القصة فى حديث له. كان للواء «باقى» صديق وزميل قريب إلى قلبه وعزيز إلى نفسه هو العقيد «إلهامى الشيخ» قائد مدفعية «الفرقة 19» بالجيش الثالث الميدانى؛ وطوال وجودهما معًا فى الجيش الثالث، نمت بينهما صداقة إنسانية عميقة، وارتباط وثيق جوهره محبة الوطن وحُلم الانتصار واستعادة «سيناء» الأرض المِصرية؛ فتعاهد الصديقان قبل الحرب أن من يظل منهما على قيد الحياة ويعبر القناة يذكُر الآخر عندما تطأ قدماه أرضها. ويستكمل اللواء «باقى» حديثه فيقول: «فبمجرد عبورى للضَِّفة الشرقية ووضع قدمى اليمنى على الأرض، فى اليوم الثانى للحرب الساعة السابعة صباحًا، طلبت من المقدم سمير ياسين، أحد مساعديه أن يقرأ الفاتحة على روحه لأنه تُوُفِّى قبل أن يعيش هٰذه اللحظة المجيدة. أمّا أنا، فقد قرأت «أبانا الذى فى السماوات… إلخ» الموجودة عندنا فى «الإنجيل»؛ لأننا كنا جسدًا وروحًا واحدة فى بلدنا «مِصر». كان وهو رئيس فرع مركَبات الجيش يعرِف «سائقى النجدة» الذين على المعابر كلاًّ باسمه.
أيضًا كان اللواء «باقى» إنسانًا عظيمًا يشعر بمتاعب الآخرين وبهمومهم وبأثقالهم، ويصف الشعب المِصرى بأنه عملة نادرة ذو معدِن أصيل يظهر وقت الشدائد؛ وهنا أتذكر قصة رواها اللواء «باقى» عن سيدة مسنة تبلغ 90 عامًا تقريبًا، كانت قد أتت قرب الجبهة حاملةً سلةً من الخبز الساخن؛ فحينئذ سألها اللواء «باقى»: لماذا تُجهدين نفسكِ هٰكذا؟! فأجابته أن لها ابنًا يخدُِم بالجيش وتشعر بأن ما تقدمه لزملائه كأنه لابنها! ويعلق قائلًا: «هٰذه هى روح المِصريِّين التى تظهر دائمًا فى الشدائد».
كان اللواء «باقى» يهتم بالجميع اهتمامًا شخصيًّا حتى نال محبة كل من عرَفه فى العمل والحياة العامة؛ وقد عبّرت زوجته عقب وفاته أن مع حزنها الشديد لفقدان زوج وإنسان عظيم مثله، فإن مشاعر من السعادة تملؤها بعد ما لمسته من الحب الكبير لشخصه، لا من أفراد العائلة أو الأصدقاء فقط، بل من الشعب المِصرى الأصيل! ويظهر هٰذا بوضوح شديد فى كلمات المصريين عندما تحدثوا عن شخصه، فقالوا: «كان رجلاً يتسم بالتواضع الشديد ومحبته للناس، كما كان محبوبًا»، كما قيل فيه: «من القامات الكبيرة، قامات القوات المسلحة التى نعتز بها»، وعبّر آخر: «بطلٌ، وحمى دم أولادنا من أن يُهدر»، كما يعبّر أحد أفراد عائلته: «إنه القلب الكبير المحب». و… والحديث عن «مِصر الحلوة» وأبطالها لا ينتهى!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافىّ القبطىّ الأرثوذكسىّ