نعود اليوم لمتابعة صفحات التاريخ، حيث تحدثنا فى مقالة سابقة عن حياة «البابا ميخائيل الأول» وعدم رسامة أب بطريرك مدة طويلة، وعن أحد أهم الأحداث بالقرن التاسع وهو «سرقة جسد مار مرقس الرسول» من «الإسكندرية» ونقله إلى «البندقية»، ثم استعادته عام 1968م على يد «القديس البابا كيرلس السادس» ووضعه بإكرام عظيم فى مزار خاص أسفل الكاتدرائية المَرقسية الكبرى.
فى ذلك الزمان، تولى حكم «مِصر» بعد «جيش بن خُمارَوَيه» أخوه «هارون» عام 283هـ (896م). «هارون بن خُمارَوَيه» 283-292هـ (896- 905م)
هو «أبو موسى هارون بن خُمارَوَيه بن أحمد بن طولون»، رابع حكام الدولة الطولونية. تولى حكم «مِصر» بعد قتل أخيه، ويرى بعض المؤرخين أنه تولى حكم «مِصر» يوم أن خلع أخاه «جيش»، حيث سُجن ومات بعد أيام قليلة. كان «هارون» لا يزال صبيًا غضـًّا فى الرابعة عشرة من عمره؛ فجعلوا «أبا جعفر بن أبيّ» وصيـًّا عليه، وكان هو المدبر لجميع شُؤون البلاد. ولم تستقر أمور البلاد فى أيامه، إذ كانت صراعات وقلاقل، كما كانت بلاد «الشام» تشهد حروبًا شديدة بين جيش «هارون» وجيش رجل يُدعى «القرمطىّ» – زعم أنه عَلَوىّ ونادى لنفسه بالحكم فتبِعه عدد من الناس – حيث انتصر «القرمطىّ» على جيش «هارون»، ووصلت تلك الأخبار إلى مسامع الخليفة العباسىّ «المكتفى»؛ فأرسل جيشًا كبيرًا بقيادة «مُحمد بن سلمان» الذى شعر «القرمطى» بقدومه فترك «دمشق» متجهًا إلى «حمص» حيث قتل وسبى شعبها، وعظُم شأنه وكثُرت أتباعه فخطب باسمه وأطلق على نفسه اسم «المهدى» وجعل له رجالاً يحكمون البلاد التى أخضعها لنفسه. وعندما استفحل أمر «القرمطىّ»، سار إليه جيش «المكتفى»، وتقاتل الجيشان فمُنى أصحاب «القرمطى» بهزيمة شديدة. إلا أن «القرمطىّ» اتجه إلى «الكوفة»، حيث قُبض عليه هو ومن معه؛ ثم أُرسل إلى الخليفة الذى اقتاده ومن معه إلى «بغداد» حيث قُتلوا جميعهم.
أمر الخليفة قائده «مُحمد بن سلمان» بالذَّهاب إلى «مِصر» ومقاتلة «هارون بن خُمارَوَيه»، فاتجه أولاً إلى «الشام»، ثم سار بجيشه إلى «مِصر» بعد أن انضم إليه بعض من جنود «هارون» الذين كانت الوحشة قد تملكت بينهم وبينه. وفى أثناء ذلك، رحل «هارون» إلى «العباسة» حيث قُتل – واختلفت الآراء فى قتله؛ فقد تعددت روايات المؤرخين: فذكر بعضهم قصة أخرى تقول إن «هارون» حكم «مِصر» دون منازع حتى تولى الخليفة «المكتفى» أمور الدولة العباسية بعد موت أخيه «المعتضد»، وكانت أحوال «مِصر» فى اضطراب. ثم ازدادت الأمور سوءًا عندما ثار «القرمطىّ» ووقعت الأمور – كما ذكرنا سابقًا – إلى أن ثارت الحرب بين جيش الخليفة «المكتفى» وبين جيش «هارون»، فالتقيا وتقاتلا وهُزم جيش «هارون». عندما وصل «هارون» خبر الهزيمة، توجه إلى «العباسة» مع نفر من أهله بعد أن تفرق عنه كثير من جنوده، وهناك اجتمع عليه عماه «شيبان» و«عُدي» وقتلاه، ثم تولى عمه «شيبان» حكم «مِصر».
وذكر آخرون أن «هارون» أصيب بسهم من مغاربة كانوا من جيشه أثاروا الوقيعة والمنازعات، فعمِل «هارون» على أن يوقف النزاعات بين صفوف الجيش فقُتل. وغيرها من الروايات. وقد مات «هارون بن خُمارَوَيه» عام 292هـ (905م)، بعد أن حكم «مِصر» قُرابة ثمانى سنوات وثمانية أشهر، بعد أن عاصر كلاًّ من الخليفة «المعتضد» ثم «المكتفى». وقد دعا عمه «شيبان بن أحمد بن طولون» لنفسه بحكم «مِصر» بعد موت «هارون» فبايعه الناس، إلا أن حكمه لم يستمر سوى اثنى عشَر يومًا فقط، إذ هزم فى الحرب التى سيأتى الحديث عنها فى موضعها؛ وكان ذلك فى زمن خلافة «المكتفى بن المعتضد». و… والحديث عن «مِصر الحُلوة» لا ينتهى!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى