من أيام قلائل احتفلت بلادنا مِصر بالذكرى الأربعين لنصر أكتوبر المجيد 1973م؛ لتتلاحم الأيام والأفراح بحلول عيد الأَضحى الذي يُحتفل به في الـ10 من شهر ذي الحجة ـ بعد يوم “عرفة” ـ حتى الـ13 منه. وبهٰذه المناسبة نتقدم بالتهنئة لإخوتنا المسلمين.
وفي عيد الأضحى، يتذكر الناس الاختبار الصعب الذي تعرَّض له “إبراهيم” خليل الله، عندما طلب منه الله تقدمة ابنه ذبيحة. فلما أطاع الله كاملًا، أوجد الله له كبشًا معَدًّا للذبح بدل ابنه، وأصبح بذٰلك رمزًا للطاعة ولمن يقدِّم كل غالٍ وعزيز لله.
وجاء في سورة الصافات آية 107: ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾؛ والفداء يعني يعطي فدية عن شخص لإطلاق سراحه بعد احتجازه.
ويبدأ الاستعداد للعيد بعد الانتهاء من الاحتفال بعيد الفطر، بأن يشترى القادرون “خروف العيد”، ويربِطونه إلى جوار المنزل، ويعلقون برقبته شريطًا أو خيطاً أبيض وأحمر وأخضر اللون إشارة إلى إعداده خصوصًا ليوم الذبح.
وبعد صلاة العيد، تُذبح الأَضحيات تنفيذًا للآية 2 من سورة الكوثر: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾. ويعقب الذبح توزيع جزء من لحوم الأضاحِيّ على الفقراء والمساكين كقول آية 28 من سورة الحَجّ: ﴿فَكُلُوْا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾، وإهداء بعضها للأقارب والأصدقاء، والاحتفاظ بالباقي للأكل في أيام العيد.
ونجد في احتفالات العيد، الإفطار على “الفتة” بالأرز مع لحم الأُضحية، وزيارات الأقارب، وارتداء الملابس الجديدة، والعيدية للأطفال.
مظاهر احتفالات عيد الأضحى في الدول
تجتمع كل أفراد العائلة في بيت “كبير العائلة” ـ عادةً الجَد أو الجَدة ـ ويليه معايدة الأقارب. وتتبادل الأُسر والمعارف والأصدقاء الزيارات.
في المغرب
يصر كثير من العائلات على إحضار الكبش للمنزل في ليلة “عرفة” معتقدين أنه فَأْل حَسن للأسرة. وتوضع الحناء على رأس الكبش أو ظهره، ويستمتع الأطفال بمشاهدة هٰذا التقليد المتوارث.
ويرتدون الزي التقليدي المغربي كالجِلباب الأبيض و”البُلغة” و”الطربوش الأحمر”، ولا يخلعونه طوال يوم العيد.
ويحضَّر “خبز الطاجين” للغداء. ومن أشهر الأكلات في العيد: “المروزية” الحُلوة التي تحضَّر بالعظام المتبقية والسكر واللًّوز والزبيب، و”البكبوكة” من “الكرشة” المَحشُوَّة بأطراف من الكبد والرئة والأمعاء وأطراف اللحم مع الأرز المبخَّر و”القديد”، و”الذيالة” التي يُحتفظ بها لعمل “الكسكس” في يوم “عاشوراء”. ومن بين التقاليد الثابتة المتوارثة للعيد تخصيص جزء من لحم الأُضحية للعروس حال خِطبة أحد أبناء العائلة.
في الجزائر
في العاصمة تنظَّم مصارعات للكباش قبل العيد. ويتصارع الكبشان بالرأسين قدام المشاهدين، ويفوز الكبش الذي يُجبر الآخر على الخروج. ومع أن السلطات لا تُحَبِّذ هٰذه العادة، إلا أنها ما زالت تحظى بشعبية كبيرة بين الجزائريِّين. وينظّم الأطفال بعض المصارعات للخراف التي ابتَعَتها أُسرهم. ونجد مظاهر الحنة التي يحرِص على وضعها الكبار والصغار على أيديهم وأرجلهم، ويقولون: “الحنة من الجنة”!
في تونُس
تنتظر كل أسرة الجزّار لذبح الأُضحية، وينثرون “المِلح” على دماء الأُضحية لإبعاد السوء والشيطان عمَّن يمرّ بجوارها. والأكلة الأساسية في العيد هي “الكسكسي واللحم”، ومن الأطعمة أيضًا: “المرقة الحُلوة”، و”الشرمولة”، و”الحوت المالح”، و”القلاية”، و”السلاطة المشوية”.
في ليبيا
يسود الاعتقاد أن كبش الأُضحية سيَمتَطيه الشخص “المسمَّى الكبشُ باسمه” إلى الجنة يوم القيامة، وأنه هدية إلى الله؛ فيجب أن يكون كبشًا جميلًا قويًا أقرن (طال قرناه) بلا عيب صحيحًا معافًى. وتُكحِّل السيدات عين الكبش، وتُطلق البَخور في المنزل. وينظّم الأطفال مصارعات للكباش. ومن الأكلات الشهيرة: “العصبان”، و “القلاية”.
في السودان
تقام (زفة العيد) في يوم عرفة، بحضور كبار مسؤولي المدن تصحبهم الموسيقى الشعبية, ويطوف الأطفال في هٰذه الزفة معلنين قدوم العيد. وفي المنازل، يُطلق بَخور يُسمى “التيمان”؛ وهو خليط من اللُّبان والعُود وبعض الأعشاب الأخرى. وبعد صلاة العيد، يمرون ببيوت الحي للتهنئة. ثم يتناولون “العصيدة” في منازلهم؛ وهي خليط الدقيق بالماء مع البامية المجففة المطحونة باللحم المفروم؛ لحين الانتهاء من الذبح. وتتميز المائدة السودانية بأكلات خاصة؛ مثل: “المفروك” وهو خضار طازج يُفرك ويضاف إلى الشوربة أو الصلصة ويقدَّم مع خبز خاص يُسمى “الكسرة”، و”التمر” كحلوى أساسية؛ منه: المجفف، والرطِب، والعجوة، و”مديدة البلح” التي من تُمْرات مطبوخة.
في السَّعودية
يبدأ الاحتفال لدى أهل مكة وزوارها يوم “عرفة” بمناسك الحج. أمَّا في باقي المملكة فتختلف التقاليد من منطقة لأخرى. وتظهر بعض الابتكارات؛ مثل عمل خروف اصطناعي ويعلَّق على باب المنزل، وتُشترى الشيكولاتة على أشكال الخراف. في المنطقة الوسطى، تتشابه الأطباق الشعبية باعتمادها على القمح واللحم أو القمح والتمر. وأكلة الإفطار تسمى “الحميس”: من قِطع اللحم الصغيرة والكِبد والكلاوي والقلب مع كَمية كبيرة من البصل والطماطم والبهارات. وهناك “كبسة اللحم” و”المحشوش” وهي قطع صغيرة مع الشحم، و”القرصان”، و”الجريش” المكون من اللحم والدقيق المجروش واللبن. وفي الشَّمال، طعام العيد “المطازيز” و”الهريس”، وحَلْوياته “الكليجة حائل”، و”البقل”، و”التمر”. أمّا في الشرقية، فتُشتهر بطبق “الهريس الشرقاوي”، و”خبز التاوة”. ومن الحلوى: “العصيدة”، و”الكليجة”، والممروس”. وتُشتهر المنطقة الغربية بفواكه “الدبيازة” الجافة، والزلابية.
في فلسطين
يُحتفل بالعيد بالصلاة، وزيارة المقابر كالتقاليد. ومن حَلْويات العيد “المعمول”، و”المطبق”، و”الغريبة”، وتطهو الأسر أكلة “المسخن”: الدجاج المقليّ والأرز.
في العراق
العيد هو المناسبة الوحيدة التي ينتظرها جميع الأسر لتفرح وتلتقي فيها؛ ويشترك في الأغلب البعض في أُضحية واحدة، ويأكلون “الكليجة”، و”المعمول” بأنواع حشوها المتعددة، مع الشاي وبعض قطع الحَلْويات، و”الحلقوم”، أو “المسقول”.
في الكويت
في الماضي كان يُحتفل بالعيد على مدار الأسبوع، إلا أن هٰذا قد تغيَّر حاليًا. وبعد الصلاة وتقديم الأضاحِيّ، يقوم كبير العائلة بتوزيع اللحوم على الفقراء والأقرباء. ويخرجون إلى المنْتزَهات والحدائق العامة والمدينة الترفيهية.
في سوريا
تُتبادل الزيارات صباحًا؛ إذ المساء للراحة في المنزل ومشاهدة التلفاز والحديث. وأشهر الأكلات السورية في العيد “التسقية”: فتة بالسمن أو الزيت، و”الشاكرية”. أمّا مشروب الضيوف في العيد فهو دائما القهوة العربية المسماة “القهوة المرة”. وفي أمسيات العيد، يتناولون “الهيلاطية” و”المعمول” بالفستق مع التُّمْرات. وقبل يومين من قدوم العيد، يحرِصون على عمل الكعك خلاف البلاد الأخرى التي تعمله في عيد الفطر فقط.
في اليمن
قبل قدوم العيد، ترمَّم المنازل ويطلَى قديمها حتى تصبح معَدَّة لاستقبال العيد، ويعود المسافرون حرصًا على الترابط الأسريّ القويّ هناك. وبعد الصلاة يتزاور الأقارب، وفي بعض المحافظات يخرجون للصيد باستخدام الأسلحة النارية لتعليم الأولاد “التصويب”. ومن العادات الأصيلة، أن يلقى الطفل جَده في العيد فيقبِّل جبهته وركبته إشارة إلى احترام الصغير للكبير، ويهتمون بزيارة أكبر أفراد العائلة سنًا ثم الأصغر فالأصغر، وتكثر حفلات الزفاف والأفراح.
و في الإفطار، يتناولون الكعك الذي يرتبط لديهم بالعيد سواء الفطر أو الأضحى. أما الغداء فيشتمل على “الزربيان”: طبق اللحم والأرز مع الزبيب والبطاطا، وأيضًا هناك “السبايا”: خليط الدقيق بالبيض والسمن مع العسل، إلى جانب “السلتة”: المَطهُوَّة من الحلبة والكرّات مع قليل من الأرز وخليط التوابل المذابة في الخل والماء، والمقدَّمة مع خبز خاص يسمى بـ “الملوج”. أمّا في الأمسيات، فمشاهدة برامج التلفاز، وشرب الشاي اليمنيّ، وفواكه العيد.
في الأردنّ
الإفطار من الفول والفلافل والحمص بالطحينة، والغداء كبدة الخروف المحشُوَّة بالبقدونس والثُّوم المقطعة شرائح لتوضع في الفرن، وأكلة “المنسف” البدوية: الأرز مع اللحم المغليّ باللبنة.
في عُمان
الأكلة الأساسية “العرسية”: الأرز الأبيض ولحم الغنم والدجاج، ويُستخدم الخل والزبيب والصبار ، وقِطع صغيرة من كَبٍد الغنم، مع البهارات.
في أندونيسيا
يوزع رئيس الجمهورية الأضاحِيّ على محدودي الدخل والفقراء دون مقابل. وفي الريف، تجتمع العائلة في بيت الوالدين لتناول هٰذه اللحوم بعد العودة من صلاة العيد مباشرة. أمّا في العاصمة “چاكرتا”، فيُقتصر على تناول الغداء في المطاعم.
في تايلاند
تسهر الأسرة ليلة العيد حتى الصباح لإعداد الحلوى التي ستقدم للضيوف. ومن أشهر الأنواع “التوم”: من الأرز المحليّ المخلوط بجوز الهند في ورق الموز الملفوف. ويتطيب الجميع بالعطر قبل الخروج للصلاة في ملابسهم الوطنية الجديدة؛ فيرتدي الرجال الزيّ الشعبيّ التقليديّ “السارونج والملاية”. وعقب الصلاة، يتصافح الجميع ويتوجه إلى الذبح، ثم القبور لزيارة الموتى, ثم الحدائق والمتنزَّهات والشُّطآن. ومن أشهر الأكلات “كانج ماسامات”: اللحم بالبهار وجوز الهند، المقدَّم مع الخبز أو الفطير.
في باكستان
تزيَّن الأضحية قبل ذبحها مدة قد تصل إلى شهر كامل؛ كنوع من الاحتفال. وقد اعتيد صوم العشرة الأيام الأولى من شهر “ذي الحجة” وحتى يوم العيد. ويتناولون “التمر” في الإفطار، و”اللحم” كطبق أساسيّ في أكلة الغداء.
في الصين
تمثل لعبة “خطف الخروف” أهم مظاهر الاحتفال بالعيد؛ حيث يمتطي أحدهم جواده منطلقًا بأقصى سرعة وراء الخروف ليلتقطه دون أن يسقط من فوق ظهره, وتنتهي اللعبة بفوز من استغرق أقل وقت في خطف الخروف.
في ماليزيا
يسمون العيد “بعيد القرابين”، وتبدأ مظاهر الاحتفال مع إعلان حامل الأختام الملكية “قاضي القضاة” حلوله.
ويحرِص أبناء العائلة الواحدة على الوجود يوم العيد في بيت العائلة، ويشهدون الجميع ذبح الأُضحية التي من البقر في الأغلب، ويُقِيم الأغنياء ولائم يُدعى إليها كل القرية.
ويحرِصون على ارتداء الملابس التقليدية المسماة “بباجو ملايو”: طقم من قميص وسِروال يُلف حوله إزار “الساروم”، وأيضًا الطاقية الماليزية المسماة “السكونكؤ”.
في مِصر
يأخذ العيد طابعًا خاصًّا من البهجة، فتتحول شوارع مصر وميادينها إلى ساحات لبيع الأُضحيات، وتزيَّن فتصير صورتها مبهجة، فترسم الفرحة على الوجوه. ويُشتهر المصريون “بالرقاق” كأكلة أساسية على مدار أيام العيد؛ ويباع مخبوزًا في الأفران البلدية. ويتناول الجميع الإفطار من “اللحم” و”الفتة”. والعيد أيضًا فرصة لإقامة الأفراح وحفلات الزواج؛ لتمتزج فرحتا العرس والعيد. ويلعب نهر النيل دَورًا بارزًا في إضفاء الجمال على فرحة العيد؛ فتزدحم الجماهير السعيدة لقضاء أبهج أوقاتها على نيلها الخالد. أمّا في الأقاليم والريف، فمظاهر الاحتفال أقل من المدن حيث تكتفي الأُسر بالتزاور والمعايدة، وحصول الأطفال على “العيدية” من الأهل والأقارب لشراء الألعاب والحلوى.
نطلب كل الخير والسعادة والاستقرار لمِصر شعبًا وجيشًا وشرَطةً وقادة. حفِظ الله مِصر وصانها من كل شر، فالحديث عنها لا ينتهي …!
الأسقف العام ورئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأرثوذكسيّ