تحدثنا فى مقالة سابقة عن الخليفة «المكتفى بن المُعتَضِد» الذى تولى إدارة شُؤون الدولة بعد أبيه، وقد قضى أغلب حكمه فى صراعات مع «القرامطة» فى «الشام» ودولة الروم («الدولة البيزنطية»)، ثم «مِصر» التى أعادها لخلافة العباسيِّين بعد القضاء على «الدولة الطولونية».
وكان بعد انتصار «مُحمد بن سُلَيمان» على الطولونيِّين، قبل عودته إلى «بغداد»، أنه قضَّى مع جنده فى «مِصر» بضعة أشهر تُعد من أشد الأوقات وأقساها على المِصريِّين إذ شهِدوا فيها أعمال عنف ووحشية تعجز الكلمات عن وصفها!! حتى إن «المقريزى» يذكر عن «أبى خطاب بن دِحْية»: «وخربت قطائع «أحمد بن طولون».. وهلك جميع من كان بها من الساكنين، و(هى التى) كانت (زائدةً) على مائة ألف دار ونيّف، نزهةً للناظرين، محدَقةً (محاطة) بالجِنان والبساتين…»!! وهٰكذا سقطت الدولة الطولونية لتعود «مِصر» ولاية عباسية، متوليًا عليها «مُحمد بن سُلَيمان الكاتب» بِناءً على أمر الخليفة.
«مُحمد بن سُلَيمان الكاتب» (292-292هـ)
(905-905م)
حكم «مُحمد بن سُلَيمان» «مِصر» فى زمن الخليفة «المكتفى»، وأقام أصحابه على رئاسة الجيش والشرطة، وراح يُلقى القبض على أهل «مِصر» مصادرًا أموال أغنيائها، حاكمًا على كثيرين بالموت، وبتقطيع الأطراف، وبالجلد، وبالصلب على النخيل، وبغيرها من أعمال وحشية! إلى أن رحل عن البلاد عام 292هـ (905م)، بعد أن وصلته رسالة الخليفة بتولية «عيسى بن مُحمد النُّوشَرى» حكم «مِصر»؛ فغادر البلاد بعد أن حكم قرابة أربعة أشهر. وعند عودته إلى «بغداد»، اصطحب معه أفراد الأسرة الطولونية مكبلين بالحديد، بعد الاستيلاء على ثرواتهم من تحف وآثار وأموال. وقد تعددت أقوال المؤرخين فى أمر «مُحمد بن سُلَيمان»: فبعضهم لا يعُدّونه من حكام «مِصر» بل ذكروه بوصف «قائد» على اعتبار أنه لم يكُن سوى قائد الجُيوش التى أرسلها الخليفة ليقوم باسترداد «مِصر» وفتحها للعباسيِّين فحسْب ولم يولِّه الخليفة أمر حكمها، مستدلين بأن الخليفة ما إن علِم بانتصار الجيوش وعودة «مِصر» تحت لواء «الدولة العباسية» حتى بعث برسالة يولّى فيها «عيسى بن مُحمد النُّوشَرى» أمور «مِصر»؛ ومؤرخون آخرون ألحقوه بالأمراء الذين حكموا «مِصر».
«عيسى بن مُحمد النُّوشَرى» (292-293هـ)
(905-906م)
هو أمير «مِصر» الذى تولى أمور البلاد من قِبل الخليفة «المكتفى»، فأرسل نائبًا عنه لتسلُّم أمور الحكم من «مُحمد بن سُلَيمان» حتى قدِم هو إلى «مِصر». كان « النُّوشَرى» أحد قواد «مُحمد بن سُلَيمان» الذين قدِموا لفتح «مِصر»، وتغلبوا على الطولونيِّين فأرسله قائده «مُحمد بن سُلَيمان» رسولاً إلى الخليفة ليبشره بانتصار الجيش، وعندما وصل إلى «دمَِشق»، وصلته رسالة الخليفة بتوليته «مِصر» فعاد لتوه إليها.
وكان بعد أن خرج «مُحمد بن سُلَيمان» من «مِصر» واستقر فى مدينة «حلب»، أن أرسل إليه الخليفة رسولاً ليتسلم ما لديه من أموال وخيل وذهب وجميع ما حمَله من «مِصر» من الناس والثروات، أمّا الجند، فقد تفرقوا عنه، وكان منهم شخص يُدعى «مُحمد بن على الخَلَنْجى»، قرر أن يعود إلى «مِصر»، ويُعلن العصيان، وينتصر «للدولة الطولونية»، وانضم إليه مجموعة من المِصريِّين، واتجهوا إلى «مِصر» حتى وصلوا «الرملة» بـ«فِلَِسطين»، وكان هناك بعض من جُنود الجيش العباسى، فاستعدوا لقتال «مُحمد الخلنجى» الذى انتصر عليهم وملك على «الرملة»، حيث انضم إليه جُموع من الناس المتشتتين عن أوطانهم. وعندما بلغت تلك الأخبار إلى مسمع «عيسى النُّوشَرى»، جهز جيشه، وأرسله إلى محاربة «الخَلَنْجى»؛ فاتجه الجيش إلى «العريش» ثم «غزة» حيث تقدم «الخلنجى» لمحاربته، فلما سمِع الجنود بخروجه عليهم عادوا إلى «العريش» فتتبعهم «الخَلَنْجى» إلى هناك، و… والحديث عن «مِصر الحُلوة» لا ينتهى!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى