اليوم أود أن أنتقل برحلتنا فى التاريخ المِصرى إلى إحدى صفحاته المعاصرة التى أكدت للعالم أصالة المِصرىّ وشجاعته وبطولاته التى تملأ قصصها وأعمالها أرجاء المسكونة؛ إنها قصة أكتوبر العظيم الذى لن تخبو ذكراه على مر السنين والأزمنة، بل يظل دائمًا لقاءً متجددًا مع بطولات مِصرية يبقى بريقها على مر الأيام.
امتدت البطولات المِصرية إلى جميع قوات الجيش المِصرىّ، وأفرعه ومناطقه: الدفاع الجوى، والقوات الجوية، والقوات البحرية، والقوات البرية؛ لترسُِم معالم «نصر أكتوبر» الذى بدأت خُطواته فى قلوب أبناء الوطن وإرادتهم مباشرة بعد هزيمة عام 1967م؛ لقد كان نصرًا معجِزًا قرر الخبراء العسكريُّون فى العالم استحالة تحقيقه، عبّر عنه أحد أبطال سلاح المظلات فى حرب أكتوبر اللواء «مصطفى البلتاجى»: «إن «نصر أكتوبر كان معجزة من المعجزات التى حققها الجندىّ والضابط المِصرى.. قدم بطولات وتضحيات فاقت كل وصف وتقدير فداءً لتراب مِصر».. وقد رآها كثير من الخبراء العسكريِّين العالميِّين من المستحيلات التى من الصعب تحقيقها. ولٰكن «مِصر» خططت للحرب، وخدعت العالم، ونفذت، وانتصرت؛ فبَهَرت الدنيا كلَّها، وأعادت كرامتها، واستردت أرضها؛ وهٰذا هو أهم شىء، والنتيجة الحقيقية لهٰذا النصر».
كان الطريق إلى تحقيق معجزة النصر هو العمل المتفانى والجَهد المتواصل من التدريبات البالغة الدقة، تصاحبهما مشاعر متأججة من الرغبة فى استعادة الكرامة وكل ذرة من تراب «مِصر»، حتى باتت هى الهدف الأول فى ذهن وقلب كل مِصرى: فكانت حرب الاستنزاف. وقدم أبطال «مِصر» معركة تلو الأخرى فى بسالة نادرة، مستهينين بحياتهم، مقدمين دماءهم فداءً لـ«مِصر»، إلى أن تحقق لهم النصر فى «السادس من أكتوبر».
وقد أُطلقت الألقاب على كثير من أبطالنا، فعلى سبيل المثال لا الحصر: أطلق الروس لقب «أسطورة الطيران المنخفض فى القرن العشرين» على اللواء «سمير عزيز ميخائيل» الذى تمكن من إسقاط أربع طائرات «فانتوم» كانت إحداها لأفضل طيار إسرائيلىّ آنذاك؛ كما أطلق الإسرائيليُّون لقب «الطيار المجنون» على الطيار «أحمد كمال المنصورى» الذى أجاد مناورة العدُو بطائرته فى أثناء الاشتباكات الجوية بأسلوب تخطى قوانين الفيزياء والطيران، حتى إن إحدى القنوات الإسرائيلية أنتجت فيلمًا عن بعض إبداعات «المنصورى» وقت الاشتباكات.
وكما امتزجت دماء المِصريِّين جميعًا مسلمين ومَسيحيِّين من أجل الوطن، كان جميع أبطال الجيش يحاربون بروح واحدة. فيسرد اللواء «فايز عبدالعزيز» ذكرياته عن يوم الحرب، ويذكر أن الأوامر صدرت إلى الجنود بقطع صيامهم فى يوم «السادس من أكتوبر»، فيقول: «فجمعت الجنود، وأمسكت بالزمزمية فى يدى، وشرِبت، وقلت: إن هناك أوامر بالإفطار، وقمت بإعطائها لفوزى أبوشادى، أحد الجنود المقربين لى، وقلت له: اشرب يا أبوشادى. فكانت إجابته: بعد إذنك يا فندم، أنا مش هافطر، أنا هاموت صايم».
ومررت على جميع الجُنود الذين رفضوا تمامًا الإفطار. حتى وصلت إلى أحد الجنود المَسيحيِّين، فقلت له: افطر. فرد قائلاً: «اشمعنى أنا الِّلى هافطر؟! علشان أنا مَسيحى؟! أنا مش هافطر، وهاموت صايم»».
هٰكذا كان أبطال «مِصر»، وهٰكذا يكون النصر.
وتتعدد قصص الوطنية والبطولات المِصرية التى أظهرت عمق المحبة التى اتسم بها أبطال مصر، حيث ترى كلًا منهم يتسابق فى التضحية من أجل إنقاذ حياة الآخرين فى أنشودة ترددت أصداؤها فى جميع ميادين المعارك فى بطولات لا تستطيع الكلمات أن تعبر عنها؛ فيسرد لنا اللواء طيار «مدحت عبدالتواب» ما شهده فى الحرب، وقت أن شارك فى اشتباكات مع طائرات العدُو، وتمكن من إسقاط طائرتين مع فرقته، إلا أن… و… والحديث عن «مِصر الحُلوة» لا ينتهى!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى