استكملنا الحديث بالمقالة السابقة بحكم الخليفة «القاهر» (320-322هـ) – (932-943م)، و«أبى العباس أحمد بن المقتدر الراضي» (322-329هـ)- (934-940م) المتولى بعد خلع «القاهر»، والاضطرابات السائدة حينذاك. أمّا «مِصر»، فقد اجتاحتها الاضطرابات والحُروب منذ سقوط «الدولة الطولونية»، ولم يكُن «للعباسيِّين» سلطان كبير عليها لِما آلوا إليه من ضَعف ما أدى إلى انتشار الفوضى؛ وصار حكم «مِصر» الحقيقيّ للجنود الأتراك فيذكر أستاذ التاريخ «حسن خليفة»: اضطربت الأحوال فى «مِصر» بعد سقوط حكم «الطولونيِّين» منها، وعادت ولايةً تابعة للخلفاء كما كانت من قبل. ولٰكن الخلفاء لم يستطيعوا بسط نفوذهم فيها لضَعفهم، فصار جنود الأتراك يسيّرون أمورها، وكانت الجُيوش التى ترسَل لتوطيد النظام هى صاحبة النفوذ المطلق؛ فعمت الفوضى وتحرَّج الموقف…. وهٰكذا تعرضت سلامة البلاد آنذاك لإغارات «الفاطميِّين» ـ وقد قدّمنا بعضها سابقًا. وعيّن الخليفة «المعتضد» على «مِصر» واليًا: «مُحمد بن طُغْج»؛ الذى لم يلبث أن عُزل بـ«أحمد بن كَيْغَلَغ»، ثم ولاه الخليفة «الراضى» مرة ثانية.
«مُحمد بن طُغْج» (321هـ) – (933م)
تعود أصول «مُحمد بن طُغْج بن جُفّ بن يَلَتْكين» إلى أولاد ملوك «فَرْغانة» ـ مركز «ولاية فَرْغانة» الواقعة فى شرق «أوزبَكستان». وُلى «ابن طُغْج» حكم «مِصر» بعد موت «تَكِين» الذى حكم من بعده ابنه باستخلاف أبيه إياه حتى قام الخليفة «القاهر» بإرسال «ابن طُغْج» لحكم «مِصر» بسبب اضطراب أحوالها، لٰكنه لم يدخلها، وعُزل بعد اثنين وثلاثين يومًا! ووُلى «أحمد بن كَيْغَلَغ» واستمر حكمه عامًا وأحد عشَر شهرًا تقريبًا ثم عزله «الراضي» وولى «ابن طُغْج» مجددًا.
ولاية «أحمد بن كَيْغَلَغ» الثانية (321- 323هـ)- (933- 935م)
وُلى حكم «مِصر» مرة ثانية بعد عزل «مُحمد بن طُغْچ». عين «ابن كَيْغَلَغ» نائبًا «أبا الفتح بن عيسى النُّوشَرِيّ» وقع شغب من الجنود عليه، ثم طالبوا بأموالهم من «الماذَرائيّ» مسؤول الضرائب فاختفى عنهم فأحرقوا منزله ومنازل أفراد عائلته. شبت فتن وحروب كثيرة قُتل فيها مِصريُّون كُثر، حتى قدِم «مُحمد بن تَكِين» إلى «مِصر» عام 322هـ (934م) وقاومه «الماذَرائيّ» بعد أن عاد للظهور؛ فانقسم الشعب إلى فرقتين: إحداهما تناهض «ابن تَكِين» وتدعم «ابن كَيْغَلَغ»، والأخرى تدعو إلى «ابن تَكِين» وترفض «ابن كَيْغَلَغ»؛ وهٰكذا ازدادت الفتن ووقعت حروب كثيرة بـ«مِصر» حتى انضم إلى «ابن كَيْغَلَغ» كثير من مؤيدى «ابن تَكِين» الذى حين أدرك ضَعف قوته على مواجهة «ابن كَيْغَلَغ» هرب من «مِصر» ليلاً بعد إقامة بها مئة واثنى عشَر يومًا؛ وبذٰلك عاد حكم البلاد إلى «ابن كَيْغَلَغ» وأخذ يدير شُؤونها. ويُذكر أن زلازل عظيمة وخرابا واسع المدى اجتاح «مِصر» فى تلك الأيام.
ولم يمضِ وقت طويل حتى وردت أخبار خلع الخليفة «القاهر» وتولى «الراضي» من بعده؛ فعاد «مُحمد بن تَكِين» إلى «مِصر» مصطحبًا رجاله؛ وذُكر أن «الراضي» أقامه على «مِصر». نشِبت حرب بين «ابن تَكِين» وبين جُنود «مِصر» وأصحاب «ابن كَيْغَلَغ» انتهت بهزيمة «ابن تَكِين» وأسْره. إلا أنه وردت رسالة من الخليفة بعزل «ابن كَيْغَلَغ» وتولية «مُحمد بن طُغْج» أمور الحكم فأعد «ابن كَيْغَلَغ» جيشًا لمحاربته هُزم بعد قتال شديد فى تنيس؛ ثم تحركت قوات «ابن طغج» نحو مصر وانتهى الأمر إلى تسليمه أمور الحكم دون اقتتال جديد فيذكر «ابن التَّغريّ»: وأقبلت مراكب «مُحمد بن طُغْج» إلى «ديار مِصر» (مصر القديمة» فى سَلْخ (آخر) «شعبان»؛ فسلم «أحمد بن كَيْغَلَغ» الأمر إلى «مُحمد بن طُغْج» من غير قتال.. وهكذا كان الحكم لـ«مُحمد بن طُغْج» على «مِصر» مرةً ثانية.
و… والحديث عن «مِصر الحُلوة» لا ينتهى!