تحدثنا بالمقالة السابقة عن استيلاء «آل بُوَيه» على «بغداد»، وسيطرة «مُعِزّ الدولة» على أمور الحكم، وما عاناه «العراق» في تلك الحقبة من اضطرابات شديدة وظلم.
«مُعِزّ الدولة» وصراعات «بنو حَمَدان»
عام 334هـ (946م)، بدأ القتال بين «مُعِزّ الدولة» «أحمد بن بُوَيه» و«ناصر الدولة» «ابن حَمَدان»: إذ اتجه الأخير من «سامَرّا» إلى «بغداد»؛ وتوجه «مُعِزّ الدولة» مصطحبًا الخليفة «المطيع» إلى «تِكريت»، فنهبها ثم عاد إلى «بغداد»؛ فتشابك الجيشان في معارك واقتتالات شديدة انتهت بهزيمة «ناصر الدولة»؛ ثم عُقد الصلح بين الطرفين. لكن الحروب تجددت عام 337هـ (949م)، وأفضت الأمور إلى تقديم «ناصر الدولة» ثمانية آلاف درهم إلى «بغداد». واستمرت تلك الحال عشْر سنوات إلى أن نشبت الحروب مرة ثالثة بين «مُعِزّ الدولة» و«ناصر الدولة» انتهت بانتصار الأول مستوليًا على «الموصل» و«نُصَيبِين»؛ ثم تجدّد الصلح بين الطرفين بعد قيام «سيف الدولة» أخى «ناصر الدولة» بالتدخل بينه وبين «مُعِزّ الدولة» من أجل استعادة الاستقرار بالبلاد.
«البَريدىّ» و«عِمْران»
تصدى «مُعِزّ الدولة» لمحاولة «أبى قاسم البَريدىّ» حاكم «البصرة» الاستقلال بها؛ فدارت رُحى المعارك بينهما وانتهت بطرد «البَريدىّ» من «البصرة». ولم تلبث أن نشأت قوة جديدة مع ظهور «عِمْران بن شاهين» الذي قام بتأسيس مُلك له ـ في أرض «البَطِيحة» الواقعة بين «واسِط» و«البصرة»ـ استمر حتى عام 408هـ (1017م) الذي شهِد حروبًا كثيرة بين «ابن شاهين» و«مُعِزّ الدولة» تبادلا فيها النصر والهزيمة.
في عام 356هـ (967م)، مات «مُعِزّ الدولة»، تاركًا إدارة شؤون الدولة إلى ابنه «بُخْتِيار»: الملقَّب بـ«عِزّ الدولة»، الذي أدار أمور البلاد أحد عشَر عامًا قاسية: إذ زادت الفتن فيها، وساءت أحوال البلاد وهى تتعرض لإغارات كثيرة على «الثغور» و«مرعش» و«طرسوس» و«حلب» و«الشام» وغيرها.
عام 363هـ (974م)، مَرِض الخليفة «المطيع»، فتنازل عن الحكم، ليخلُفه ابنه «أبوالفضل عبدالكريم» الذي لُقب باسم «الطائع لله».
أمّا عن أحوال «مِصر» في ذلك الزمان، فقد كانت تحت حكم «الإخشيديِّين»: حيث حكمها «مُحمد بن طُغْچ الإخشيد» حتى وفاته عام 334هـ (946م)، ومن بعده ابنه «أُنُوچُور بن الإخشيد».
«أُنُوچُور بن الإخشيد» (334-349هـ) (946-960م)
يذكر «الذهبىّ» أن اسم معنى «أُنُوچُور»: «محمود مقامه»؛ كان أبوه «الإخشيد» قد جعله نائبًا له في حكم البلاد قبل خروجه للحرب في «الشام»، كما جعله وليًّا للعهد، فلما مات «الإخشيد» أقره الخليفة «المطيع لله» في حكم «مِصر» و«الشام» وجميع ما كان لأبيه. وعندما تولى «أُنُوجور» حكم البلاد جعل «كافور الإخشيدىّ» مدبرًا لها.
وفى تلك الأثناء، قامت الحروب بين «أُنُوچُور الإخشيدىّ» و«سيف الدولة بن حَمَدان» وإلى «حلب» الذي كان يطمع في ضم بلاد «الشام» إلى حكمه. خرج «سيف الدولة» من «دمشق» متجهًا إلى «مِصر»، فهُزم في «الرَّملة» هزيمةً نكراء وفرّ نحو بلاد «الشام»؛ فتبعه المِصريُّون وألحقوا به هزيمة أخرى! فعاد إلى «حلب»، وهناك تعقبه المِصريُّون من جديد فهُزم إلى «الرَّقة»!! ثم استقر الأمر على عقد صلح بين «أُنُوچُور الإخشيدىّ» و«سيف الدولة» على أن يحكم الأخير ما كان له في حكم «حلب» وغيرها. وقد اصطحب «أُنُوچُور» في الحرب عمه «الحسن بن طُغْچ» و«كافور الإخشيدىّ». وفى أثناء تلك الحقبة، تعرضت «مِصر» لعمليات من السلب والنهب يذكر عنها الذهبىّ: «فى غيبة (الإخشيد) عن (مِصر)، وثب عليها (غَلْبُون) متولى الريف في جُموع؛ ووقع النهب في (مِصر) فلم يستقر أمره (ما كان منه من هجوم ونهب) حتى لطفَ الله وقدِم الجيش، فهرب، فاتَّبعه طائفةٌ فقُتل.». و… والحديث في «مِصر الحُلوة» لا ينتهى!.
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى