تحدثنا فى مقالة سابقة عن الصراعات التى اندلعت بين وزير الوزراء «معز الدولة» وبين ابنَى حَمَدان «ناصر الدولة» و«سيف الدولة» فى أثناء حكم الخليفة «المطيع»، والصراع مع «أبى قاسم البريديّ» حاكم البصرة، و«عمران بن شاهين». ثم كان موت «معز الدولة» عام 356هـ (967م) ليخلفه ابنه الذى تلقب باسم «عز الدولة». وفى عام 363هـ (974م)، تنازل الخليفة «المطيع» عن الحكم بعد مرضه لابنه «الطائع لله». وتحدثنا عن حكم «أُنُوچور بن الإخشيد» على «مِصر» (334-349هـ) (946-960م) والحروب بينه وبين «سيف الدولة بن حمدان»؛ وفى أثناء تلك الحقبة تعرضت «مِصر» لسلسلة من السلب والنهب حتى عاد الجيش للبلاد واستتبت الأمور.
استمر «أُنُوچور» فى حكم البلاد حتى عمِل بعض الناس على زرع مشاعر معادية فى نفسه تجاه «كافور الإخشيديّ»، مرددين أنه استولى على الأموال والأملاك والسلطة مع تدبير شؤون البلاد؛ فوقعت بالفعل فى نفسه وَحشة وجفاء تجاهه، لكن والدة «أُنُوچور» تدخلت حتى اصطلحا. تُوفى «أُنُوچور» فى 349هـ (960م)، فتولى الحكم من بعده أخوه «عليّ أبو الحسن بن الإخشيد».
«عليّ بن الإخشيد» (349-355هـ) (960-966م)
هو «عليّ بن محمد بن طُغچ الإخشيد» الذى تولى الحكم بعد موت أخيه «أُنُوچور». أقامه على الحكم «كافور الإخشيديّ» الخادم بعد استمالة الجند وكبار رجال الدولة. أقره الخليفة «المطيع لله» فى حكم «مِصر»، وجعل سلطانه عليها وعلى «الشام» و«الثغور» و«الحرمين» مثلما كان الأمر لأبيه وأخيه. أما «كافور الإخشيديّ»، فقد كان هو مدبر أمور البلاد والمتصرف فى شُؤونها حتى إن سلطته قد عظمت جدًّا عن تلك التى كانت له أيام «أُنُوچور» فصار له حكم البلاد حقيقيًّا.
تعرضت «مِصر» عام 351هـ (962م) لغلاء شديد، وقل وجود القمح فى البلاد، كما تعرضت لاضطرابات عظيمة هى و«الإسكندرية» بسبب الخلفاء الفاطميِّين القادمين من «المغرب». وعام 352هـ (963م)، دخل «القرمطيّ» بلاد «الشام»، ولم يستطٍع أن يبعده عنها «عليّ الإخشيدىّ» إذ كان المِصريُّون منشغلين بما يمر بالبلاد من أزمات بسبب الغلاء أو الفاطميِّين. ازداد الغلاء جدًّا بسبب نقصان مياه النيل؛ ويذكر «ابن التَّغرىّ» عن ذلك العهد: (ووهَنت ضياع «مِصر» وقراها من عدم زيادة «النيل»، وعظُم الغلاء وكثُرت الفتن؛ وسار ملك «النوبة» إلى «أُسوان»، ووصل إلى «أخميم»، وقتل ونهب وسبى وأحرق. وعظم اضطراب أعمال الديار المصرية قِبليها وبحْريها)؛ فكانت أيام شدة ومحنة على المِصريِّين جميعًا. ازدادت الأمور سوءًا واحتدمت بين «علىّ بن الإخشيد» و«كافور» الذى منع الناس من لقاء الحاكم حتى مرِض ومات عام 355هـ (966م) بعد أن حكم خَمْس سنوات وشهرين تقريبًا. استمر «كافور» يدبر أمور «مِصر» حتى تولى الحكم باتفاق كبار رجال الدولة والجند.
«كافور الإخشيدىّ» (355-357هـ) (966-968م)
هو«أبو المسك كافور بن عبد الله الإخشيدىّ» الخادم الخَصِىذ؛ ويذكر لنا «الذهبىّ» و«ابن التَّغرىّ» أن «أبا بكر مُحمد الإخشيد» اشتراه ورباه، ثم أطلقه حرًّا وجعله من كبار قواده إذ كان متصفًا بالحزم، وبسداد الرأى مع حسن التدبير، شجاعًا، مقدامًا، كريمًا جدًّا، إلى جانب فطنته الشديدة وعقله الراجح. وكان بعد موت «الإخشيد» أنْ ولى «كافور» أبناء الإخشيد حكم «مِصر» – كما ذكرنا سابقًا – حتى تولى هو حكم «مِصر». وكان «كافور» يقرب إليه الشعراء ويجزل لهم العطاء، كما كان له من الغلمان عدد كبير جدًّا حتى فاق ما ملكه على ما كان للإخشيد! وفى أيام حكم «كافور» تُوفى «معز الدولة بن بُوَيه»، وحكم على «مِصر» منفردًا قرابة عامين وأربعة أشهر، ثم تُوفى عام 357هـ (968م)؛ ثم كان أن تولى من بعده «أحمد بن عليّ الإخشيد»، و… والحديث فى «مصر الحلوة» لا ينتهى.
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى